وإنما عقبه بالإخبار عما هذا حاله. فهو مكروه، لأن العقول مشيرة إلى ما اختص بخصلة من هذه الخصال. فهو فى غاية الكراهة، فضلا عما إذا كان جامعا لها يكون لا محالة أدخل فى الاستكراه، فلهذا أخبر عنه بكونه مكروها.
[النكتة السادسة]
أن الله تعالى صدر هذه الآية بالمحبة، وختمها بذكر الكراهة، وإنما فعل ذلك تنبيها على كونها محتوشة بطرفين نقيضين، متضادين، فلأجل تمكنها فى القلوب وميل الخواطر إلى ملابستها وفعلها، فهى محبوبة، ولأجل كونها بمنزلة أكل لحوم الإخوة الأموات مكروهة، فلا جرم صدرها وختمها بما ذكرناه تنبيها على المعنى الذى أشرنا إليه.
[النكتة السابعة]
تلتفت إلى مفردات ألفاظ الآية، وذلك أن الله تعالى آثر ألفاظها على ما يماثلها فى تأدية معناها، تعويلا على البلاغة وإعطاء لجانب الفصاحة ما يستحقه، فنزل هذه الآية على هذه الهيئة، ولم يقل فيها: أيريد رجل منكم أن يمضغ جلد مسلم غائبا فعفتموه، وما ذاك ٧ لا لأن كل واحدة من ألفاظ الآية مختص بفضل بلاغة، ونوع فصاحة لا يكون مثله، كما أشرنا إليه، ومن ذلك قوله تعالى: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ
ثم قال: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ
إلى قوله: فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ
[الرعد: ١٧] فهذه الآية لها تقريران:
التقرير الأول من جهة ظاهرها، وهو أن الله أخبر أنه أنزل المطر من السماء فسالت الأودية والشعاب بقدر ما أنزل فيها منه، من الكثرة والقلة، فاحتمل السيل لأجل ما اختص به من الحركة، والانحدار والجرى زبدا رابيا يعلو على ظهر الماء، ومما توقدون عليه فى النار، أى مما يحتاج إلى الإخلاص من هذه الأحجار المعدنية التى فى إخلاصها واجتماعها إلى النار ابتغاء حلية كالذهبيات والفضيات أو متاع، كالحديد، والرصاص، والنحاس، زبد مثله، يعنى أن هذه المعادن فى أصلها كالزبد، يشير إلى أن ابتداء خلقتها كذلك، إلا أنها صارت هكذا بالإخلاص، ليكون أدخل فى الحكمة، وأظهر فى كمال القدرة. «كذلك» أى مثل ما ذكرناه، من السيل والزبد، والإشارة بقوله «ذا» إلى المذكور