وهو ما كان جاريا على ألسنة العلماء من الاصطلاحات التى تخص كلّ علم، فإنها فى استعمالها حقائق وإن خالفت الأوضاع اللغوية، وهذا نحو ما يجريه المتكلمون فى مباحثاتهم فى علوم النظر كالجوهر، والعرض، والكون، وما يستعمله النحاة فى مواضعاتهم، من الرفع، والنصب، والجزم، والحال، والتمييز، وما يقوله الأصوليون فى جدلهم من الكسر والقلب والفرق، وما يستعملونه فى مجارى أنظارهم، كالعامّ والخاص، وغير ذلك، وما يجرى على ألسنة أهل الحرف والصناعات، فى صناعاتهم وحرفهم فإن لهم أوضاعا واصطلاحات على أمور، كاصطلاحات العلماء فيما ذكرناه وقد صارت مستعملة فى غير مجاريها الوضعية، يفهمونها فيما بينهم، وتجرى على وفق مصطلحاتهم، مجرى الحقائق اللغوية بحسب تعارفهم عليها، وتجرى فى الوضوح مجرى الحقائق اللغوية.
النوع الثالث فى [الحقائق الشرعية]
ونعنى بها أنها اللفظة التى يستفاد من جهة الشرع وضعها لمعنّى غير ما كانت تدلّ عليه فى أصل وضعها اللغوىّ. وتنقسم إلى: أسماء شرعية، وهى التى لا تفيد مدحا ولا ذما عند إطلاقها كالصلاة، والزكاة، والحج، وسائر الأسماء الشرعية. وإلى دينية: تفيد مدحا وذما، وهذا نحو قولنا مسلم، ومؤمن، وكافر وفاسق إلى غير ذلك من الأسماء الدينية ولا خلاف بين العلماء فى كون هذا النقل ممكن، وأنه غير متعذّر، وإنما النزاع فى وقوعه، فالذى ذهب إليه أئمة الزّيديّة والجماهير من المعتزلة، أنّ هذه الأسماء قد صارت منقولة بالشرع إلى معان أخرى، وصارت معانيها اللغويّة نسيا منسيا، فالصلاة مفيدة لهذه الأعمال المخصوصة وهكذا حال الزكاة، والصوم، فهى مفيدة بهذه المعانى على جهة الحقيقة دون غيرها من معانيها اللغوية. فأما الأشعريّة فقد اتفقوا على أنها دالة على معانيها اللغوية بكلّ حال، وأنّ النقل الشرعىّ بالكلية فى حقها باطل، ولكن اختلفوا، فالذى ذهب إليه القاضى أبو بكر الباقلّانى منهم أنها باقية فى الدّلالة على معانيها اللغوية، من غير زيادة. وأنكر النقل بالكليّة، وأما الشيخ أبو حامد الغزالى فإنه قال: إنها دالّة على معانيها