اعلم أنا فيه قد ذكرنا من قبل، حسن المبادىء والافتتاحات، ورمزنا فيها إلى قول بالغ، يطلع على نكت جمة، ولطائف عجيبة، والذى نذكره ههنا هو ما ينبغى لكل متكلم من شاعر أو خطيب إذا كان قد أتى بما يصلح من الافتتاحات الحسنة فلا بد له من مراعاة التخلص الحسن، لأنه لابد له من تقديم الغزل، أو ذكر الفخر، أو ذكر أطروفة بأدب، ثم يذكر على أثره المدح، وعلى قدر براعة الشاعر والخطيب والمصنف يكون حسن التخلص إلى المقصود، بعد تقديم ما ذكرناه وقلّ ذلك أعنى حسن التخلص فى كلام المتقدمين، وقد جاء فى قول زهير:
إنّ البخيل ملوم حيث كان ... ولكنّ الكريم على علاته هرم «١»
ثم إن حسن التخلص يأتى على أوجه، فأحسن ما يأتى فى بيت واحد وهذا كقول مسلم بن الوليد يمدح البرامكة:
أجدّك ما تدرين أن ربّ ليلة ... كأنّ دجاها من قرونك ينشر
سريت بها حتى تجلّت بغرّة ... كغرّة يحيى حين يذكر جعفر «٢»
فما هذا حاله قد فاق فى حسن التخلص من الغزل إلى المديح مع قصر الكلام وتقارب أطرافه، لما فيه من إدماج المبالغة فى مدح يحيى بالبر لابنه وجمعه فيه من المحاسن، وقد جاء فى بيتين كقول أبى تمام:
تقول فى قومس قومى وقد أخذت ... منّا السّرى وخطا المهريّة القود «٣»
أمطلع الشمس تبغى أن تؤمّ بنا ... فقلت كلّا ولكن مطلع الجود
فانظر إلى ما أبرزه من التخلص الرائق والمخرج الفائق، وربما جاء فى ثلاثة أبيات، ومثاله ما قاله أبو نواس يمتدح بنى العباس: