الحسن الأخفش أنه يقره حيث ورد ولا يقاس عليه، وما قاله الأخفش جيد لا غبار عليه، لأنه من المحذوفات المجازية، ومن حق المجاز أن يقر حيث ورد، فلا يجوز أن يقال:
أكلت السّفرة، أى طعام السفرة. ولا أن يقال واسأل الأفراس، أى أهلها.
وثانيها [حذف المضاف إليه] ،
وهو يأتى على القلة والندرة، وهذا كقوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ
[الروم: ٣] أى من قبل الأشياء ومن بعدها، ومن هذا قولهم يومئذ، وحينئذ، وساعتئذ، قال الله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)
[الزلزلة: ٤] فحذف الجملة المتقدمة المضاف إليها «إذ» وعوض التنوين عنها، فما هذا حاله، هل يعد من الإيجاز؛ أو لا، والأقرب عده من الإيجاز لأنه وإن كان قد عوض من الجمل المتقدمة، التنوين، لكنه يكون إيجازا لا محالة، لأنه حذفت هذه الجمل الطويلة وأقيم حرف واحد مقامها، وأى إيجاز أبلغ من هذا الإيجاز، وأدخل منه فى البلاغة، والتفرقة بين المضاف نفسه، والمضاف إليه فى الحذف حيث كان حذف المضاف إليه على القلة، وحذف المضاف نفسه كثير الوقوع، هو أن المضاف إليه يكتسى منه المضاف تعريفا، وتخصيصا فحذفه لا محالة يخل بالكلام لإذهاب فائدته بخلاف المضاف نفسه، فإنه لا يخل حذفه من جهة أن المضاف إليه يذهب بفائدته، ويقوم مقامه.
وثالثها [حذفهما جميعا]
وهذا نادر أيضا، ومن أمثلته قوله تعالى فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ
[طه: ٩٦] أى من أثر حافر فرس الرسول، ولا يكاد يوجد إلا حيث دلالة الكلام عليه.
[النوع الثالث حذف الموصوف دون صفته وإقامتها مقامه، وحذف الصفة دون موصوفها،]
فهذان وجهان يرد الحذف فيهما،
الوجه الأول: [حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه] ،
وهذا كثير الدور والجرى فى كتاب الله تعالى، قال الله تعالى: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (٥٢)
[ص: ٥٢] أى حور قاصرات الطرف، وقوله تعالى: وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً
[الإسراء: ٥٩] مبصرة، أى آية مبصرة ولم يرد الناقة، فإنها لا معنى لوصفها بالبصر، وإنما أراد أنها معجزة واضحة لم يفكّر فيها، وأكثر ما يرد حذف الموصوف فى النداء فى نحو قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ
، يا أَيُّهَا النَّبِيُ
[التحريم: ١] ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
[التحريم: ٨] ، ومن حذف الموصوف قول البحترى: