لم يبق جودك لى شيئا أؤمّله ... تركتنى أصحب الدنيا بلا أمل «١»
فقوله «تركتنى أصحب الدنيا بلا أمل» مؤكد لما دلت عليه الجملة الأولى بظاهرها، وهو قوله «لم يبق جودك لى شيئا أؤمله» لأنه مصرح بأن جوده لم يترك له أمنية يتمناها. فلم يبق له أمل فى الدنيا يرجو حصوله بحال، وهذا نهاية المدح، وقد أخذه المتنبى وزاد عليه فى قوله من قصيدة يمدح بها سيف الدولة:
تمسى الأمانىّ صرعى دون مبلغه ... فما يقول لشىء ليت ذلك لى «٢»
وهذا أعظم من الأول فى المدح وأدخل فى الأدب مع الممدوح، حيث جعله فى قبيل من لا يتمنى شيئا أصلا. الوجه الثانى أن تكون الجملة الثانية مسوقة من أجل تأكيد مفهوم الكلام، ومثاله بيت النابغة:
ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أىّ الرّجال المهذّب «٣»
فقوله «ولست بمستبق أخا لا تلمه» دال من جهة مفهومه على نفى الكامل من الرجال، ثم أكد هذا المفهوم بقوله «أى الرجال المهذب» لأن معناه أنا أستفهمك عنه فإنى لا أكاد أجده، ومن ذلك ما قاله الحطيئة:
نزور فتى يعطى على الحمد ماله ... ومن يعط أثمان المكارم يحمد «٤»
فمفهوم قوله «يعطى على الحمد ماله» أنه لا يعطى ماله إلا لأجل أن يحمد، وقوله بعد ذلك «ومن يعط أثمان المكارم يحمد» محقق له ومؤكد لفائدته، فلأجل هذا كان ما هذا حاله تذييلا، واشتقاقه من ذيل الفرس، إما لأنه زائد على كمال خلقها، كما أن هذا مزيد على جهة التوكيد، وإما لأنه فى عجزها كما أن هذا إنما يأتى على أدبار الجمل مقررا لها.
[الصنف الرابع عشر فى التفسير]
وهو تفعيل من الفسر، وهو البيان، يقال فسر الكلام يفسره إذا بيّنه، ويقال لنظر الطبيب إلى بول الرجل فسر لأنه يتبين به حاله، وهو فى مصطلح علماء البيان عبارة عن أن يقع فى مفردات كلامك لفظ مبهم أو عدد مجمل أو غير ذلك مما يفتقر إلى بيان، فتأتى بما يقرر ذلك ويكون شرحا له من بيان وكشف، ثم إن وقوعه يكون على وجهين،