مجهول وهذا نحو أن يكون المدعى يدعى ما لا يتصور ثبوته ولا يعقل إمكانه، فيأتى بالتشبيه لبيان إمكانه وهذا كقول بعضهم:
فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال
فإن الشاعر أراد أن يقول: إن الممدوح فاق الأنام بحيث لم يبق بينه وبينهم مشابهة ومقاربة، بل صار جنسا برأسه وأصلا فى نفسه، وهذا فى الظاهر كالممتنع، فإنه يبعد فى العقل أن تتناهى بعض آحاد النوع أو شىء من مفرداته فى الفضائل الخاصة والمناقب العالية إلى حد يصير كأنه ليس من ذلك النوع، فلما أطلق ذلك عقبه بقوله «فإن المسك بعض دم الغزال» محتجا به على تصحيح دعواه، وعلى إمكان ما قاله، وعلى أنه ليس محالا، وبيانه هو أن المسك قد خرج لا محالة عن صفة الدم وحقيقته، حتى لا يقال هو منه، ولا يعد من جنسه ولا يوجد فيه شىء من الصفات الشريفة التى للمسك، فلأجل هذا سيق التشبيه من أجل هذه الفائدة.
الوجه الثانى أن يكون بيانا لمقداره، وهذا نحو أن يحاول نفى الفائدة عن فعل بعض الناس، وأن يدعى فيه أنه لا يحصل منه طائل فيقول فيه: فلان كالقابض على الماء، ويخط فى الهواء، فالتشبيه فيما هذا حاله لم يكن مسوقا لبيان الإمكان، بل إنما سيق لمعرفة المقدار؛ لأن الفعل فى نفسه بالإضافة إلى ما يفيده على مراتب مختلفة فى الإفراط، والتفريط، والتوسيط، فإذا مثّل ما ذكرناه من المحسوس عرف قدره، ولهذا قد يقال: حجة واضحة كالشمس، وجهل أظلم من الليل، ومداد كحدقة الغراب، إلى مثل ذلك مما ذكرناه.
[الكيفية الثانية]
هو أن المتشابهين من الأشياء متى كانت المباعدة بينهما أتم، كان التشبيه أعجب، والسبب فى ذلك هو أن المباينة متى كانت أدخل بينهما كان التشابه أشد إعجابا فى النفوس، وأقوى تمكنا فيها، لأن أكثر مبنى الطباع على أن الشىء إذا تصور ظهوره من مكان يبعد ظهوره منه، ازداد شغف النفس به، وكثر تعلقها به، فما يتعذر وجوده، أعجب مما يتسهل وجوده ولهذا فإن تشبيه الشقائق فى حمرتها وخضرة أعوادها بأعلام الياقوت المنصوبة على رماح من زبرجد، فى غاية الحسن، لما كان لا يكاد يوجد، وهكذا قوله «مداهن در حشوهن عقيق» وكذا تشبيه الكواكب فى سمائها، ببساط أزرق فوقه درر منثورة، ودونه فى الرتبة تشبيه الثريا بعنقود الكرم، واللجام المفضض والوشاح المفصل