[الفصل الرابع فى إيراد المطاعن التى يزعمونها على القرآن والجواب عنها]
اعلم أن للمخالفين لنا فى كلام الله تعالى اعتراضات ومطاعن يرومون بذلك إبطاله وإبطال دلالته، لما كان من أعظم حجج الله على خلقه، فلأجل هذا كثرت عنايتهم بالطعن فيه، ومطاعنهم فيه من جهات عشرين.
[الجهة الأولى: من حيث حقيقته،]
وحاصل ما قالوه: هو أن القرآن كلام الله تعالى، وليس يخلو الحال فى بيان ماهيته، إما أن يكون المرجع بحقيقته إلى أنه معنى قائم بذاته تعالى موجب لذاته المتكلمية كما هو رأى قدماء الأشعرية، كالإسفرائينى، والنجارية، والكلابية، وإلى هذا ذهب القاضى الباقلانى منهم، وإما أن يكون المرجع بالكلام إلى حالة الله تعالى، وهى المتكلمية، كما هو رأى المتأخرين من الأشعرية، له تعلقات كتعلقات العالمية، وهذه المذاهب فاسدة عندكم، وإما أن يكون المرجع بحقيقة الكلام إلى هذه الأحرف والأصوات المقطعة، كما هو رأى المعتزلة وأئمة الزيدية، وقد أفسدوه بأنا نعلم ماهية الكلام قبل إيجاد هذه الأحرف والأصوات، ونتصور ماهيته، وفى هذا دلالة على أنه أمر مخالف للأصوات والحروف، وإما أن يراد بحقيقة الكلام، أمر آخر وراء ما ذكرناه، فلابد من إبرازه لنعلم صحته أو فساده، فقد وضح بما ذكرناه، أن حقيقة الكلام مشكلة فلابد من الإحاطة بها، لأن الكلام فى كونه حجة قائمة على الخلق فرع تصور ماهيته، ولم يفرغ من ذلك.
والجواب عما أوردوه من ذلك: هو أنا إذا قررنا ماهية الكلام بطلت هذه المذاهب كلها، والبرهان القاطع على أن الكلام هو هذه الأحرف المقطعة، أن المعقول من ماهية الكلام هو ما ذكرناه كما أن المعقول من ماهية الأسود، هو حصول السواد فى المحل، فلو عزلنا عن أنفسنا العلم بهذه الأحرف، لم نعقل حقيقة الكلام ولهذا فإن الكتابة لا يسمونها كلاما وكذا الإشارة، لعدم النطق بهذه الأحرف فحصل من هذا أن تقطيع هذه الأصوات هى الأصل فى كون الكلام كلاما، وأن إطلاق الكلام على ما ليس بهذه الصفة إنما كان على جهة المجاز كما يقول القائل فى نفسى كلام، فمن أدرك ما ذكرناه فقد أحاط بماهية الكلام، ومن لا يفهم هذه الأحرف فإنه بمعزل عن فهم ماهية الكلام، ويؤيد ما ذكرناه