للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النظر الثانى فى بيان الأمور الإنشائية الطلبية]

اعلم أن الطلب مغاير فى الحقيقة لماهية الخبر، فالخبر دال كما ذكرناه من قبل على حصول أمر فى الخارج، فإن كان مطابقا له فهو الصدق، وإلا فهو الكذب، بخلاف الإنشاء، فإنه لا يدل على حصول أمر، بل من حقيقة الطلب أن لا يكون مطلوبا إلا مع كونه معدوما فى حال طلبه، ليتحقق الطلب فى حقه، فإذن ماهيته استدعاء أمر غير حاصل ليحصل. وينقسم إلى طلب سلبى، وإلى طلب إيجابى فالطلب الإيجابى هو الأمر، والتمنى، والطلب السلبى هو النهى، وكلا الأمرين وارد فى كتاب الله تعالى فإنه مملوء من الأمر والنهى وغيرهما، من الأمور الطلبية، وجملة ما نورد من الأمور الطلبية الأمر، والنهى، والاستفهام، والتمنى، والعرض، والدعاء، والنداء، فهذه ضروب سبعة نشرحها، ونبين ما يختص بها من الحقائق المعنوية وما يتعلق بها من الخصائص القرآنية، التى من أنعم فيها نظره وفكره، واستجمع فى تقريرها خاطره، أطلعته على حقائق محجوبة تحت أستار، وكشفت له عن وجوه الإعجاز ومكنتها فى نفسه عن تحقق واستبصار، وألحقت نور البصيرة بمرأى البصر فى ضوء النهار، فإن ملاك الأمر فى ذلك كله مؤسس على علم المعانى، وعلم البيان، فإن عليهما تدور رحاه، ويستحكم أساسه وبناه، وقصاراهما آئلة إلى تحكيم الذوق السليم، والطبع المستقيم، فمن أحرز هذا وذاك فقد فاز بالخصل، وظفر بالنجح من الإعجاز، ونال أعلى ذروته وتمكّن من الاستواء على صهوته.

[الضرب الأول: الأمر]

وهو صيغة تستدعى الفعل، أو قول ينبىء عن استدعاء الفعل من جهة الغير على جهة الاستعلاء، فقولنا «صيغة تستدعى، أو قول ينبىء» ، ولم نقل «افعل» ، «ولتفعل» كما يقوله المتكلمون والأصوليون لتدخل جميع الأقوال الدالة على استدعاء الفعل فى نحو الفرسيّة، والتركية، والرومية، فإنها كلها دالة على الاستدعاء من غير صيغة «افعل» ، «ولتفعل» ، ونحو قولنا: نزال، وصه، فإنهما دالان على الاستدعاء من غير صيغة «افعل» وقولنا: «من جهة الغير» ، نحترز به عن أمر الإنسان نفسه، فإن ذلك إنما يكون أمرا على جهة المجاز، وقولنا «على جهة الاستعلاء» ، نحترز به عن الرتبة فإنها غير معتبرة فى ماهية

<<  <  ج: ص:  >  >>