ونعنى بالقريبة ما يكون الانتقال إلى المطلوب بأقرب اللوازم، ونريد بالبعيدة ما يكون الانتقال إلى مطلوبها من لازم أبعد منه، ومثال القريبة قوله «بعيدة مهوى القرط» فإنه كناية عن طول عنقها، وهذا حاصل على القرب من غير اعتبار واسطة ونحو قوله «أبت الروادف والثدى لقمصها» فإنه كناية عن كبر الأعجاز، ونهود الثدى، وهذا كله معدود فى واضح الكناية. وأما الخفى من القريب منها كقولك:
فلان عريض القفا، فإنه كناية عن الأبله، من الناس، وقولهم أيضا فلان عريض الوساد، فإنه كناية عن هذه الكناية، وكقول بعضهم يهجو من به داء الأسد وهو البخر:
أخو لخم أعارك منه ثوبا ... هنيئا بالقميص المستجد
وقال بعضهم فى رجل يهجوه:
أراد أبوك أمك يوم زفت ... فلم يوجد لأمك بنت سعد
فقوله بنت سعد، جعله كناية عن العذرة، فهذا كله يحصل على القرب فى الكناية.
ومثال البعيدة قولهم: فلان كثير الرماد، فهذا تكثر فيه الوسائط، لأنك تنتقل من كثرة الرماد إلى كثرة الجمر، ثم إلى كثرة الإحراق تحت القدر، ثم إلى كثرة الطبائخ، ثم إلى كثرة الآكلين، ثم إلى كثرة الأضياف، ثم كونه مضيافا، وهذا كقولك فلان جبان الكلب، مهزول الفصيل، فإن الوسائط تكثر فيهما، فلهذا كان ما هذا حاله معدودا فى بعيد الكناية.
التقسيم الثالث باعتبار حكمها إلى [حسنة وقبيحة]
، فالحسنة ما قدمنا ذكره من الأمثلة، ومن هذا ما ورد فى السنة النبوية وهو أن امرأة جاءت إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم تسأله عن غسلها من الحيض، فأمرها كيف تغتسل، ثم قال لها: خذى قرصة من مسك فتطهرى بها، فقالت كيف أتطهر بها، فقال تطهرى بها، فقالت كيف أتطهر بها، فقال سبحان الله، تطهرى بها، قالت عائشة فاجتذبتها من ورائها، وقلت لها تتبعى بها آثار الدم، فقولها: آثار الدم، كناية عن الفرج، ومنه قول أعرابية تصف زوجها: له إبل قليلات المسارح، كثيرات المبارك، إذا سمعن صوت المزهر، أيقن أنهن هوالك، ومثال القبيحة ما تخلو عن الفائدة