وأما الأفعال فهى دالّة على حصول أحداث فى أزمنة معينة فالفعل الصناعىّ دالّ على المصدر وعبارة عنه، فالمصدر إن وقع فيه مجاز فالفعل تابع له، وإن تعذر وقوع المجاز فى المصدر فالفعل أحق بالتعذر.
وأمّا الأسماء فهى أنواع ثلاثة «الاسم العلم» ولا مدخل للمجاز فيه لأنه فى جميع مواقعه أصل، ومن حق المجاز أن يكون مسبوقا بوضع أصلّى ثم ينقل عنه، وأيضا فإن من حق المجاز أن يكون بينه وبين ما نقل عنه علاقة يحسن لأجلها التجوّز والنقل، وهذا غير موجود فى الأعلام، فلهذا بطل التجوّز فيها «والاسم المصدر» وهو المشتق منه قد يدخله المجاز إذا وقع فى غير موضعه كقولك رجل عدل ورضا «والاسم الجنس» وأكثر ما يرد المجاز فى المفرد منه كأسد، وبحر، وليث، وغير ذلك من الأسماء المفردة، ولنقتصر على ما ذكرناه ههنا من أحكام المجاز ففيه كفاية لغرضنا، وستكون لنا عودة فى تحقيق أسرار المجازات فى فنّ المقاصد، وإذ قد أتينا على ما يتعلق بالحقيقة على الخصوص، وما يتعلق بالمجاز على الخصوص، فنذكر ما يكون مشتركا بينهما وبالله التوفيق.
[القسم الثالث فى ذكر الأحكام المشتركة بين الحقيقة والمجاز]
[«الحكم الأول»]
اعلم أن اللفظة اللغوية بالنسبة إلى إفادتها لمعناها إذا كانت دالة على أزيد من معنى واحد، فإما أن تكون إفادتها المعنيين على جهة الاستواء من غير تفرقة فيكونان حقيقتين، وهذا هو الاشتراك، وإمّا أن يكون أحدهما سابقا إلى الفهم دون الآخر فيكون بالإضافة إلى السابق حقيقة وبالإضافة إلى الآخر مجازا، فإذا كانت مستعملة فيهما فلا بدّ من تفرقة بين حقيقتها ومجازها، ولأجل مزيد الغموض أكثر العلماء الخوض فى ذلك، وذكروا أمورا غير صالحة للفرق وأمورا صالحة للتفرقة، فهذان تقريران نذكر ما يخصّ كل واحد منهما بمعونة الله تعالى:
[التقرير الأول للفروق الصحيحة]
اعلم أن مستند الحقيقة والمجاز إنما هو اللغة لا غير، فإذا كان لا مستند لهما سواها، فيجب أن تكون التفرقة بينهما متلقّاة من جهة أهل اللغة فى الاستعمال، وليس يخلو ذلك إما أن يكون بتعريف يقطع الاحتمال وهو التنصيص، وإما أن يكون بتعريف معرّض للاحتمال وهو الاستدلال، فهذان مجريان: