[الفن الثانى من علوم هذا الكتاب وهو فن المقاصد اللائقة]
اعلم أن المقصود من الكلام إنما هو إفادة المعانى، وهذه الإفادة على وجهين، لفظية، ومعنوية، فأما الإفادة اللفظية فهى دلالة المطابقة، وما هذا حاله فإنه يستحيل تطرق الزيادة والنقصان إليها، وبيانه هو أن السامع لشىء من الألفاظ الوضيعة لا يخلو حاله إما أن يكون عالما بكونه موضوعا لمسماه، أو لا يكون عالما، فإن لم يكن عالما به فإنه لا يعرف فيه شيئا أصلا، وإن كان عالما به فإنه يعرف بتمامه وكماله، فخيل من مجموع ما ذكرناه ههنا أن الألفاظ فى دلالتها الوضعية إما أن تكون مفيدة إفادة ناقصة، وإما أن لا تكون مفيدة أصلا، وهذان القسمان باطلان بما مر، فإذا بطلا تعين القسم الثالث، وهو أن إفادتهما لمسماها على الكمال والتمام هو مطلوبنا، وتقرير ذلك بما نذكره من المثال، وهو أنك إذا أردت تشبيه زيد بالأسد فى الشجاعة، فإنك إذا قصدت إفادة هذا المعنى بالدلالة الوضعية فإنك تقول زيد يشبه الأسد فى شجاعته، فقد أفدت مقصودك من ذلك بألفاظ دالة عليه دلالة وضعية، وهذه الإفادة يستحيل تطرق الزيادة والنقصان إليها، لأنك إن نقصت منها تطرق الخرم على قدر ما نقص منها، وإن زدت على هذه الألفاظ كان ذلك مستغنى عنه ولا فائدة فيه، وإن أقمت كل لفظة مقام ما يرادفها امتنع تطرق الزيادة والنقصان فى المعنى من أجل ذلك، وعن هذا قال المحققون من أهل هذه الصناعة إن الإيجاز، والاختصار، والتطويل، والإطناب، والحذف، والإضمار، والوحدة، والتكرار، وغير ذلك من أودية البلاغة يستحيل تطرقها إلى الدلالات الوضعية، لما كانت تدل بجهة المطابقة.
وأما الإفادة المعنوية فهى تكون من جهة اللوازم، ثم تلك اللوازم كثيرة فتارة تكون قريبة، وتارة تكون بعيدة، فلأجل هذا صح تأدية المعنى بطرق كثيرة وجاز فى تلك الطرق أن يكون بعضها أكمل من بعض، فلا جرم جاز تطرق الزيادة والنقصان والكمال إليها، ثم قد يكون حصول ذلك من جهة الدلائل الإفرادية وهو ما يتعلق بالبلاغة من جهة المفردات، وقد يكون حصوله من جهة الدلائل المركبة، وهو ما يتعلق بالبلاغة من جهة الكلم المركبة، وتقدير ذلك بما نذكره من المثال، وهو أنك إذا قصدت وصف زيد بالشجاعة من جهة اللوازم بحيث يجوز تطرق الزيادة والنقصان والكمال إليه، فإن أردت