اعلم أن الإيجاز بحذف المفردات أوسع مجالا من حذف الجمل، لأن المفردات أخف فى الاستعمال، فلهذا كثر فيها، ويضبطه فى غرضنا أنواع سبعة.
النوع الأول منها [حذف الفعل وما يتعلق به]
من فاعله، ومفعوله، وكل واحدة من هذه قد تطرّق إليها الحذف على حياله، فهذه صور ثلاث، نذكر ما يتعلق بالكلام فيها.
الصورة الأولى [حذف الفعل بانفراده]
إما على أن يبقى فاعله دليلا عليه، وهذا كقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا
[الحجرات: ٥] أعنى ولو ثبت أنهم صبروا، كقوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ
[التوبة: ٦] والتقدير فيه، وإن استجارك أحد من المشركين، وغير ذلك، وإما على أن يبقى مفعوله دليلا عليه وهذا كقولهم:«أهلك والليل» أى بادر أهلك، وبادر الليل أن يحول بينك وبينهم، وكقوله تعالى: فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (١٣)
[الشمس: ١٣] الغرض احذروا ناقة الله، وما جاء فى حديث جابر رضى الله عنه لما سأله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هل تزوجت، فقال له «نعم» فقال: بكرا أم ثيبا، فقال بل ثيب فقال:«هلّا بكرا تلاعبها وتلاعبك» ومن حذف الفعل حذفا لازما فى المصادر كقولك: حمدا وشكرا، وما ذاك إلّا لأنهم جعلوا هذه المصادر عوضا عن أفعالها، فلا جرم التزموا حذفها معا، وهذا يكون على طريقة السماع، ومن حذف الفعل على جهة القياس ما ورد على جهة التشبيه كقولك: مررت به فإذا له صوت صوت حمار وصراخ صراخ الثكلى، وما ورد على جهة التثنية كقولك:«لبيك، وسعديك ودواليك» ، إلى غير ذلك من المصادر المثنّاة، إلى غير ذلك من الأمور القياسية، وقد فصلناها تفصيلا شافيا فى شرحنا لكتاب المفصّل، ومن حذف الفعل قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ
[الإسراء: ٧١] لأنه لما قال: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (٧٠)
[الإسراء: ٧٠] كأن قائلا قال متى يكون التفضيل الأكثر، قيل يوم ندعو كل أناس، ومن حذف الفعل قوله تعالى: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ
[يونس: ٧١] والتقدير فيه وادعوا شركاءكم، ويؤيد ما قلناه قراءة أبىّ فأجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم وإذا كان ههنا قراءة لها تأويلان، وكان