للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إثبات الصفات المحسوسة للأمور المعقولة على جهة الاستعارة، وبيانه هو أن القذف والدمغ من صفات الأجسام، يقال دمغه إذا هاض قحف رأسه، وقذفه بالحجر، إذا رماه به، وقد استعير ههنا للحق والباطل، والجامع بينهما هو الإعدام والذهاب، ومن هذا قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ

[الحجر: ٩٤] والصدع من صفات الأجسام، يقال انصدع الإبريق والقارورة، وقد استعير ههنا لوضوح أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيما جاء به من الحق وإظهار النبوة، والجامع بينهما هو التفرقة بين الحق والباطل وإزالة التباس أحدهما بالآخر، ومن هذا قوله تعالى: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ

[البقرة: ٢١٤] فالزلزلة حقيقتها هى الاضطراب فى الأجسام، وقد استعيرت ههنا للفشل والاضطراب فى الأحوال، والجامع بينهما هو تغير الأحوال، وهكذا قوله تعالى: فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ

[آل عمران: ١٨٧] فحقيقة النبذ إنما يكون مستعملا فى طرح الشىء من أعلى إلى أسفل، ثم استعمل مجازا على جهة الاستعارة فى إلقاء ما حملوه من التكاليف عن أنفسهم بترك الامتثال، والجامع بينهما هو الإعراض عما ألزموا به من تلك الأمور كلها، إلى غير ذلك من الاستعارات الرائقة من محسوس بمعقول.

[الضرب الرابع استعارة المعقول للمحسوس]

ومثاله قوله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١)

[الحاقة: ١١] فالطغيان هو التكبر والاستعلاء بغير حق وهما أمران معقولان، ثم استعير الطغيان للماء، وهو محسوس، والجامع بينهما هو الخروج عن الحد فى الاستعلاء على جهة الإضرار، ومن هذا قوله تعالى بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦)

[الحاقة: ٦] فالعتو هو التكبر، وهو من الأمور المعقولة، استعير ههنا للريح، وهى محسوسة، والجامع بينهما هو الإضرار الخارج عن حد العادة، ولنقتصر على هذا القدر من لطيف الاستعارة ففيه كفاية لما أردناه ههنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>