للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المذهب الثالث قول من زعم أن وجه إعجازه إنما هو خلوه عن المناقضة،]

وهذا فاسد لأوجه، أما أولا فلأن الإجماع منعقد على أن التحدى واقع بكل واحدة من سور القرآن، وقد يوجد فى كثير من الخطب، والشعر، والرسائل، ما يكون فى مقدار سورة خاليا عن التناقض، فيلزم أن يكون معجزا، وأما ثانيا فلأنه لو كان الأمر كما قالوه فى وجه الإعجاز، لم يكن تعجبهم من أجل فصاحته، وحسن نظمه، ولوجب أن يكون تعجبهم من أجل سلامته عما قالوه، فلما علمنا من حالهم خلاف ذلك بطل ما زعموه، وأما ثالثا فلأن السلامة عن المناقضة ليس خارقا للعادات، فإنه ربما أمكن كثيرا فى سائر الأزمان، وإذا كان معتادا لم يكن العلم بخلو القرآن عن المناقضة والاختلاف معجزا، لما كان معتادا، ومن حق ما يكون معجزا أن يكون ناقضا للعادة، وأيضا فإنا نقول جعلكم الوجه فى إعجازه خلوه عن المناقضة والاختلاف ليس علما ضروريا، بل لا بد فيه من إقامة الدلالة، فيجب على من قال هذه المقالة تصحيحها بالدلالة لتكون مقبولة، وهم لم يفعلوا ذلك.

[المذهب الرابع قول من زعم أن الوجه فى الإعجاز اشتماله على الأمور الغيبية بخلاف غيره،]

وهذا فاسد أيضا لأمرين، أما أولا فلأن الإجماع منعقد على أن التحدى واقع بجميع القرآن، والمعلوم أن الحكم والآداب وسائر الأمثال ليس فيها شىء من الأمور الغيبية، فكان يلزم على هذه المقالة أن لا يكون معجزا وهو محال، وأما ثانيا فلأن ما قالوه يكون أعظم عذرا للعرب فى عدم قدرتهم على معارضته، فكان من حقهم أن يقولوا: إنا متمكنون من معارضة القرآن، ولكنه اشتمل على ما لا يمكننا معرفته من الأمور الغيبية، فلما لم يقولوا ذلك دل على بطلان هذه المقالة.

[المذهب الخامس قول من زعم أن الوجه فى الإعجاز هو الفصاحة،]

وفسر الفصاحة بسلامة ألفاظه عن التعقيد الحاصل فى مثل قول بعضهم:

وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر «١»

<<  <  ج: ص:  >  >>