ونظمه، لأنها إذا حصلت مع ما يشاكلها وقعت فى أحسن موقع وجاءت فى أعجب صورة.
وثالثها: مطابقة الغرض المقصود من الكلام على اختلاف أنواعه وتباين فنونه فلا بد من أن يكون موافقا لما أريد به بعد اختصاصه بالتركيب، وهو غرض عظيم، لابد من رعايته ونظيره فى العقد، فإنه بعد إحكام تركيبه وإتقان تأليفه لابد من مطابقته لما صيغ له فتارة يجعل إكليلا على الرأس، ومرة يجعل طوقا فى العنق، وقد يجعل شنفا على الأذن، وإذا خالف فى ذلك بطل المقصود وفات الغرض، فإذا جعل إكليل الرأس على غيره، أو جعل طوق العنق فى غيره بطل المقصود وفات الغرض، والكلام بعد تركيبه إذا وضعته فى غير موضوعه ولم تقصد به ما هو موضوع له انخرم المقصود به وكان خاليا عن البلاغة.
فالأمر الأول والثانى من هذه الأمور الثلاثة يتعلق بالفصاحة، لأنها من عوارض الألفاظ، ومجموع الثلاثة كلها هو المراد بالبلاغة، لأنها من عوارض الألفاظ والمعانى جميعا كما سنوضح التفرقة بينهما بمعونة الله تعالى فهذا ما يتعلق بخصوص الفصاحة.
المطلب الثانى فى ذكر ما يتعلق ب [البلاغة] على الخصوص
اعلم أن البلاغة فى وضع اللغة، هى الوصول إلى الشىء والانتهاء إليه فيقال بلغت البلد أبلغ بلوغا، والاسم منه البلاغة، وسمى الكلام بليغا، لأنه قد بلغ به جميع المحاسن كلها فى ألفاظه ومعانيه، وهو فى مصطلح النظار من علماء البيان عبارة عن الوصول إلى المعانى البديعة بالألفاظ الحسنة. وإن شئت قلت هى عبارة عن حسن السبك مع جودة المعانى، والمقصود من البلاغة هو وصول الإنسان بعبارته كنه ما فى قلبه مع الاحتراز عن الإيجاز المخل بالمعانى، وعن الإطالة المملة للخواطر. فإذا تمهدت هذه القاعدة، فلنذكر مواقع البلاغة ثم نذكر مراتبها ثم نردفها ببيان حكمها فهذه مباحث ثلاثة.
[المبحث الأول فى بيان موقع البلاغة]
اعلم أن الأشياء فى التحقق والثبوت على مراتب أربع:
الأولى منها: تحققها فى الذهن وتصورها، وهذه الرتبة هى الأصل وعليها تترتب