يكون الكريم هو زيد، ولأن السجود قد يكون عبارة عن المصدر، فلو عطفه لأوهم كونه مصدرا والمراد الجمع، لا يقال: فهلّا قال: السّجّد، ليطابق قوله: الركع، كما جاء فى آية أخرى: تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً
[الفتح: ٢٩] أو قال: الركوع ليطابق السجود، فما الوجه فى المخالفة بينهما، لأنا نقول: السجود يطلق على وضع الجبهة على الأرض، وعلى الخشوع، ولو قال: السجد، لم يتناول إلا المعنى الظاهر من غير إفادة الخشوع، ويصدق ذلك قوله تعالى: تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً
[الفتح: ٢٩] لما كان من رؤية العين، ورؤية العين لا تتعلق إلا بالظاهر، فقصد بذلك الإشارة إلى السجود المعنوى فالصورى، بخلاف الركوع، فإنه ظاهر فى أعمال الجوارح الظاهرة التى لا يشترط فيها البيت كما فى الطواف والقيام المتقدمين، دون أعمال القلب، فلأجل هذا جعل السجود وصفا للركّع، وإنما أراد الخشوع الذى هو روح الصلاة وكمالها، فإذا تمهدت هذه القاعدة فلنذكر ما يجب تقديمه، ولو أخر لفسد المعنى، وتغير، ثم نذكر ما يجوز تقديمه، ولو أخر لم تفسد المعنى فهذان تقريران:
[التقرير الأول ما يجب تقديمه ولو تأخر لفسد معناه]
، ونذكر من ذلك صورا خمسا.
الصورة الأولى [تقديم المفعول على فعله]
كقولك: زيدا ضربت، فى ضربت زيدا، فإن فى قولك: زيدا ضربت تخصيصا له بالضرب دون غيره، بخلاف قولك: ضربت زيدا، وبيانه هو أنك إذا قدمت الفعل فإنك تكون بالخيار فى إيقاعه على أى مفعول أردت بأن تقول ضربت زيدا أو عمرا أو بكرا أو خالدا، وإذا أخرت الفعل وقدمت مفعوله فإنه يلزم الاختصاص للمفعول على أنك لم تضرب أحدا سواه، فأما قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
[الفاتحة: ٥] فهل يكون تقديم المفعول به من أجل الاختصاص، أو من أجل المشاكلة لرءوس الآى، فيه مذهبان:
المذهب الأول أن تقديم المفعول إنما كان من أجل الاختصاص، وهذا هو الذى أشار إليه الزمخشرى فى تفسيره، وهو رأى الأكثر من علماء البيان، وذلك لأن المفعول إذا تقدم لزم الاختصاص كما قلناه فى قولنا: زيدا ضربت، ولأجل ذلك تكون العبادة مختصة بالله تعالى لأجل التقدم، وعلى هذا ورد قوله تعالى: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ