للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنس وقوله: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ

[الرحمن: ٣٣] إنما قدمهم لما كان المقام مقام تسلط واجتراء والجن، بذلك أحق فلهذا قدمهم، فأما قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ

[آل عمران: ١٤] فلأن الله تعالى لما صدّر الآية بذكر الحب، وكان المحبوب، مختلف المراتب متفاوت الدرج، اقتضت الحكمة الإلهية تقديم الأهم فالأهم من المحبوبات، فقدم النساء على البنين لما يظهر فيهن من قوة الشهوة ونزوع الطبع وإيثارهن على كل محبوب وقدم البنين على الأموال لتمكنهم فى النفوس واختلاط محبتهم بالأفئدة، وهكذا القول فى سائر المحبوبات، فالنساء أقعد فى البيوت، والبنون أقعد فى المحبة من الأموال، والذهب أكثر تمكنا من الفضة، والخيل أدخل فى المحبة من الأنعام، والمواشى أدخل من الحرث، فأما قوله تعالى: نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ

[التغابن: ١٥] فإنما قدم الأموال ههنا لأنه فى معرض ذكر الافتتان، ولا شك أن الافتتان بالمال أدخل من الافتتان بالأولاد، لما فيه من تعجيل اللذة والوصول إلى كل مسرة والتمكن من البسطة والقوة، بخلاف آية القناطير، فإنه إنما قدم البنين فيها لما ذكرها فى معرض الشهوة وتمكين المحبة، ومما ينتظم فى سلك هذا العقد النفيس قوله تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ

[الحج: ٢٦] فإنما قدم الطائفين لأن سياق الآية فى عظم العناية بالبيت والطائفون أقرب ما يكونون إليه، فلهذا قدمهم، ثم ثنى بالقائمين لأنه يلى الطواف فى الرتبة لأن القيام يشملهما جميعا، وإنما جمعا لأن الجمع أدل على العموم من المفرد، وإنما جمعا جمع السلامة لأن فى لفظ اسم الفاعل إشعارا بالتجدد والحدوث، كالفعل، فالطائفون والقائمون فى معنى يطوفون ويقومون، وإنما عدل إلى لفظ اسم الفاعل تجريدا له عن تعلق الأزمنة التى يدل عليها الفعل، وكان اسم الفاعل أحق لما فيه من الإشعار بالحدوث والتجدد، وتجرده عن الدلالة على الأزمنة، ثم ثلث بالركع السجود، وإنما جمعه جمع التكسير وعدل عن مشاكلته لما قبله من جمع السلامة، لما ذكرناه من أن جمع السلامة فى الطائفين والقائمين، فيه تنبيه على تجدد الطواف المختص بالبيت، والقيام، لأنه نوع منه، بخلاف الركوع والسجود، فإنهما لا يختصان بالبيت، بل كما يكونان فيه يكونان بغيره، ثم وصف الركع بالسجود، ولم يعطفه بالواو كما فعل بالقائمين. لأن الركع هم السجود، والشىء لا يعطف على نفسه، كما لا تقول: جاءنى زيد والكريم، على أن

<<  <  ج: ص:  >  >>