اعلم أن هذا الاسم عبارة عن كل ما يفهم منه معنى لا يدل عليه ظاهر لفظه ويكون مفهوما عند اللفظ به، واشتقاقه من قولهم وريت عن كذا إذا سترته، وفى الحديث كان إذا أراد سفرا ورى بغيره، أى ستره وكنى عنه وأوهم أنه يريد غيره، وهذا نحو الكناية والتعريض، والمغالطة والأحاجى والألغاز، فهذه الأمور كلها مشتركة فى كونها دالة على أمور بظاهرها، ويفهم عند ذكرها أمور أخر غير ما تعطيه بظواهرها، فأما الكناية والتعريض فقد قدمنا الكلام فيهما، وذكرنا أمثلتهما، وأظهرنا التفرقة بينهما فأغنى ذلك عن إعادته، والذى نذكره ههنا، إنما هو المغالطة والإلغاز والأحجية وهى مندرجة تحت الإلغاز، وليس بينهما تفرقة، فهذان ضربان نذكر ما يتعلق بكل واحد منهما، وهذه الأمور كلها، وإن كانت قريبة المأخذ سهلة المدرك، وليس يتعلق بها كبير بلاغة ولا عظيم فصاحة، ولكنها غير خالية عن تفنن فى الكلام واتساع فيه، وتدل على تصرف بالغ وقوة على تصريف الألفاظ واقتدار على المعانى فهى غير خالية عن فن من فنون البلاغة وعلم البديع، وقد جرت عادة العلماء من أهل البلاغة على ذكرها والكلام عليها، فلا جرم أوردناها ولم نخل هذا الكتاب عنها.
[الضرب الأول فى المغالطة المعنوية]
اعلم أن المغالطة المعنوية هى أن تكون اللفظة الواحدة دالة على معنيين على جهة الاشتراك فيكونان مرادين بالنية دون اللفظ، وذلك لأن الوضع فى اللفظة المشتركة أن تكون دالة على معنيين فصاعدا على جهة البدلية، هذا هو الأصل فى وضع اللفظ المشترك، فإذا كان المعنيان مرادين عند إطلاقها، فإنما هو بالقصد دون اللفظ، والتفرقة بين المغالطة والإلغاز هو أن المغالطة كما ذكرناه إنما تكون بالألفاظ المشتركة وهى دالة على أحدهما على جهة البدلية وضعا، وقد يرادان جميعا بالقصد والنية، بخلاف الإلغاز، فإنه ليس دالا على معنيين بطريق الاشتراك ولكنه دال على معنى من جهة لفظه وعلى المعنى الآخر من جهة الحدس لا بطريق اللفظ فافترقا بما ذكرناه، ويتضح الحال فى المغالطة المعنوية بذكر أمثلتها، المثال الأول ما قاله أبو الطيب المتنبى «١» :