فالفاء فى قوله «فاشكر» لا موقع لها وهى فى اعتراضها بمنزلة ركبة البعير، وقد زعم بعضهم أن الفاء فى قوله «شفيعك فاشكر» بمنزلة الفاء فى قوله تعالى: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)
[المدثر: ٣] وهذا فاسد لأمرين أما أولا: فلأن الفاء فى قوله تعالى: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)
جاءت مؤذنة بعطف الفعل على ما قبله، فى قوله تعالى: قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)
[المدثر: ٢- ٣] بخلاف هذه، فإن ما قبلها ليس صالحا للعطف عليه، وأما ثانيا: فلما ترى فيها من الخفة على اللسان والسلاسة فى الحلق، بخلاف قوله «شفيعك فاشكر» فإنها غير مريئة على الفؤاد، ولا عهد لها بالعذوبة.
الوجه الثانى: أن توجد فى الألفاظ المتعددة ومثاله قول أبى الطيب المتنبى «١» :
لا خلق أكرم منك إلّا عارف ... بك داء نفسك لم يقل لك هاتها
فإن صدر هذا البيت فى غاية الرقة واللطافة، خلا أن عجزه ليس ملائما لصدره، ولكنه وقع منافرا له كما ترى ومنه قوله أيضا «٢» :
وما بلّد الإنسان غير الموافق ... ولا أهله الأدنون غير الأصادق
وقوله أيضا:
كلّ آخائه كرام بنى الدنيا «٣» ... وكان الأحسن إخوانه
فهذا البيت مما يعد فى الوجه الأول، ثم أقول إن هذه الأبيات التى أوردها أهل البلاغة نقما على المتنبى وتمثيلا للمنافرة فى هذه الألفاظ هى عندى فى غاية الرقة والرشاقة، وما فيها عيب إلا كما يقال فى الخبيص إنه كثير سكره، أو فى طبيخ إنه زاد زعفرانه، نعم التعريف بموقع هذا الصنف مقصود، وأنه ينبغى للناظم والناثر تجنبه وتوخى الألفاظ الرقيقة وحسن مواقعها فى التأليف.