للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصنف الرابع والثلاثون فى الاختتام]

اعلم أنا قد قدّمنا فى فواتح الكلام ومبادئه وذكرنا ما يتعلق بالتخلصات، والذى نذكره الآن إنما هو كلام فى حسن الخاتمة، فينبغى لكل بليغ أن يختتم كلامه فى أى مقصد كان بأحسن الخواتم فإنها آخر ما يبقى على الأسماع، وربما حفظت من بين سائر الكلام لقرب العهد بها، فلا جرم وقع الاجتهاد فى رشاقتها وحلاوتها، وفى قوتها وجزالتها، وينبغى تضمينها معنى تاما يؤذن السامع بأنه الغاية والمقصد والنهاية، ولهذا قال عليه السلام:

«ملاك العمل خواتمه» ، وفى حديث آخر: «ألا إنما الأعمال بخواتيمها» ، وفى حديث آخر: «لا تعجبوا بعمل أحد حتى تدروا بم يختم له» «١» ، فالخاتمة فى كل شىء هى العمدة فى محاسنه، والغاية فى كماله، فأما المتقدمون من الشعراء كامرىء القيس، والنابغة، وطرفة، وغيرهم من شعراء الجاهلية فليس لهم فيه كل الإجادة، وإنما الذى أجاد فيه المتأخرون، كأبى نواس، والمتنبى، والبحترى، وأبى تمام، ولنضرب فى ذلك أمثلة:

المثال الأول: من آى التنزيل فإن الله تعالى ختم كل سورة من سوره بأحسن ختام، وأتمها بأعجب إتمام، ختاما يطابق مقصدها، ويؤدى معناها، من أدعية، أو وعد أو وعيد، أو موعظة أو تحميد، أو غير ذلك من الخواتيم الرائقة، ألا ترى إلى ما ختم به سورة البقرة وسورة الفاتحة، فأما الفاتحة فختمها بما يناسب معناها ويطابق لفظها، من حسن التأليف وجودة الجزالة بذكر الصنفين المغضوب عليهم من اليهود والنصارى، وأن لا يجعلنا منهما، ويتم لنا هدايته الكاملة، إلى حججه الواضحة، وبراهينه النيّرة، واختتم سورة البقرة بتعليم الابتهال إليه فى مغفرة الخطايا وترك تحمل الأثقال والإصر والنصرة على الكفار، ونحو اختتام سورة آل عمران بالخواتيم الحسنة من الوصايا بالصبر على المكاره، والمصابرة على الجهاد لأعداء الله، وإشادة معالم الدين وإظهار أحكامه، والرابطة للخيل فى الجهاد وإعدادها للغزو، وبالتقوى التى هى قوام الدين وملاكه، فمن أجل ذلك يحصل السبب فى الفلاح فى كل الأمور، وفى خاتمة سورة النساء بالتبجيل والتعظيم بالبيان والهداية، وبما كان من الوعد، والوعيد فى خاتمة سورة الأنعام بقوله: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>