[الأنعام: ١٦٥] وبما كان من إظهار الجلال والعظمة فى خاتمة سورة المائدة، فهذه الخواتيم كلها فى كل سورة على نهاية الحسن والرشاقة، وهكذا الكلام فى كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى كتبه ومواعظه وخطبه، فإنك ترى خواتيمها معجبة لما تضمنته، ونحو هذا كلام أمير المؤمنين فى كتبه ومواعظه وهذا كقوله عليه السلام فى ذم الدنيا، وغدرها بأهلها، وذهابها عن أيديهم، وعدم التمسك بها «ولات حين مناص، هيهات هيهات، قد فات ما فات وذهب ما ذهب» ثم ختمها بآية من القرآن مناسبة لها وهى قوله تعالى: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩)
[الدخان: ٢٩] إلى غير ذلك من الخواتيم الحسنة فى خطبه وكلامه، فهذا ما أردنا ذكره من أمثلة المنثور.
المثال الثانى: من المنظوم فمن أحسن ما قيل فى ذلك ما قاله أبو الطيب المتنبى
قد شرّف الله أرضا أنت ساكنها ... وشرّف الناس إذ سوّاك إنسانا «١»
فهذه الخاتمة إذ قرعت سمع السامع عرف بها أن لا مطمع وراءها، ولا غاية بعدها، وهى الغاية المقصودة، والبغية المطلوبة، وبها يعلم انتهاء الكلام وقطعه، كقول أبى نواس يمدح المأمون:
فبقيت للعلم الذى تهدى له ... وتقاعست عن يومك الأيّام «٢»
فانظر إلى حسن هذه الخاتمة كيف تضمنت الدعاء بالبقاء مع نهاية المدح والإعظام لحاله، وغاية حسن الخاتمة أن يعرف السامع انقضاء القصيدة وكمالها، فهذه علامة حسنها ورونقها، ومن ذلك ما قاله بعض الشعراء يمدح رجلا استماحه:
وإنى جدير إن بلغتك بالمنى ... وأنت بما أمّلت منك جدير