المحققون من علماء البيان على حصول التفرقة بينهما، وصار صائرون إلى أنه لا فرق بينهما فنقول: أما ما كان من التشبيه مظهر الأداة بالكاف، وكأن، فلا تخفى التفرقة بينه وبين الاستعارة تفرقة لفظية، وأما ما كان من التشبيه مضمر الأداة، فقد يكاد يلتبس بالاستعارة، وهل يكون لاحقا بالتشبيه، أو بالاستعارة فى نحو قولك جاءنى الأسد، ومررت بالأسد، وقد قدمنا ذكر الخلاف فيه وذكر المختار فيه فأغنى عن الإعادة، وعلى الجملة فلابد من إدراك التفرقة بينهما، وحاصله أن التشبيه حكم إضافى لا يوجد إلا بين شيئين مشبه ومشبه به بخلاف الاستعارة، فإنها لا تفتقر إلى شىء من ذلك، بل تفهم مطلقة من غير إشارة إلى آخر وراء الاستعارة ولهذا فإنك تجد فرقا بين قولنا: زيد الأسد، وبين قولك جاءنى الأسد، فى كون الأول ينجذب إلى التشبيه لأنه يشير إليه. والثانى استعارة مع اتفاقها جميعا فى إضمار أداة التشبيه، فهذا هو الذى يفتقر إلى التفرقة بينه وبين الاستعارة، فأما ما كان من الاستعارة لا يفهم منه التشبيه فلا يحتاج إلى التفرقة بحال، كقوله تعالى: ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ
[الحكم السادس فى التفرقة بين الاستعارة المجردة، والموشحة]
اعلم أنا نريد بتجريد الاستعارة هو أن نذكر اللفظ المستعار ونقرن به ما يلائم المستعار له كقولك: رأيت أسدا يتكلم، ولقيت بحرا يضحك، وهذا يخالف الاستعارة الموشحة، فإنك تذكر اللفظ المستعار وتقرن به ما يلائم المستعار نفسه فتقول: رأيت أسدا دامى الأنياب، طويل البراثن، فحاصل التفرقة بينهما أن كل ما كان ملائما للمستعار له فهو التجريد، وما كان ملائما للمستعار نفسه من الأحكام فهو التوشيح، فبما ذكرناه تدرك التفرقة بينهما.