أن جميع من تكلم فى ماهية الكلام فإنه لا بد من ذكر ما قلناه من الأصوات المقطعة والحروف المنظومة من أئمة الأدب وأهل اللغة، وأهل النحو، والتصريف، وأهل علم البيان، والعروضيين وغيرهم ممن كان مختصا بالكلام، فإنه لا يورد فى ماهيته إلا ما ذكرناه من هذه الأصوات وهذه الحروف، وفى هذه دلالة قاطعة على أنها أصل فى معقول معناه، وقاعدة فى فهم ماهيته، فلا يخطر ببال أحد منهم سوى ذلك.
[الجهة الثانية من حيث القدم،]
الملاحدة، وحاصل ما قالوه هو أن بعض أهل القبلة من المسلمين قد زعم كونه قديما، وهؤلاء هم الأشعرية على طبقاتهم، فإنهم قد اتفقوا على أن كلام الله تعالى قديم لا أول له، ومهما كان قديما فإنه لا يفيد فائدة، ولا يوجد منه شىء من الأحكام، لأن الكلام إنما يعقل معناه إذا كان مؤلفا من هذه الأحرف، فأما إذا كان قديما لم يعقل تقدم بعضه على بعض، فإذا كان قديما كان عريّا عن الفائدة لا يمكن أن يحتج به ولا يكون فيه دلالة فمهما جوز قدمه بطل الاحتجاج به.
والجواب عما أورده هؤلاء إنما هو ببيان حقيقة الكلام، فإذا تقرر أنه هذه الأصوات والأحرف المقطعة فأمارة الحدوث فيها ظاهر من جهة أن المسبوق منها محدث لتقدم غيره عليه، والمتقدم على المحدث بأوقات يجب القضاء بحدوثه، لأن من حق القديم أن يكون سابقا على الحوادث بما لا نهاية له، فإذا كان لتقدمه غاية، كان محدثا، واعلم أنه لا خلاف فى كون هذه الحروف المقطعة والأصوات المنتظمة محدثة، لظهور أمارة الحدوث فيها، لجواز العدم عليها، وتقدم بعضها على بعض، وكل ما ذكرناه علامة الحدوث ودليل عليه، فلهذا قلنا: إن كلام الله تعالى محدث لما كان معقول الكلام هو هذه الأصوات من غير زيادة، وهكذا حال جميع الفرق، فإنهم لا يخالفوننا فى حدوث هذه الأحرف، وإنما يحكى الخلاف عن الأشعرية وجميع فرق المجبرة من النجارية، والكلابية، فإنهم متفقون على قدمه، وزعموا على هذا أن كلام الله تعالى شىء مغاير لهذه الأحرف والأصوات المقطعة ووصفوه بالقدم، وحاصل قولهم: أن الكلام معنى قديم قائم بالذات، فإذا تقرر كون الكلام ما وصفناه من هذه الأحرف وأن ما قالوه غير معقول، ثبت حدوثه لا محالة، فإذن الخلاف بيننا وبين جميع طبقات المجبرة فى قدم القرآن مرتد إلى ماهية الكلام، فإن كان