وهما واديان من أودية البلاغة، ومن حكمهما يظهر فضل الناظم والناثر، وكل واحد منهما يرد فى منثور الكلام ومنظومه، لأن معناهما حاصل فيهما، فأما الاقتضاب فلا يظهر خلاف فى وروده فى القرآن الكريم، وإنما الخلاف فى ورود التخلص فى القرآن، وحكى عن أبى العلاء محمد الغانمى أنه أنكر وروده فى التنزيل، وزعم أن كتاب الله تعالى خال عنه، وهذا فاسد، فإن كتاب الله تعالى لا واد من أودية البلاغة إلا وهو آخذ منه بنصيب، وسنورد من ذلك ما يدل على وقوعه فيه، فإذا عرفت هذا فلنذكر التخلص، ثم نردفه.
بذكر الاقتضاب فهذان ضربان نفصلهما بمعونة الله تعالى.
الضرب الأول فى [التخلص]
ومعناه فى ألسنة علماء البيان، أن يسرد الناظم والناثر كلامهما فى مقصد من المقاصد غير قاصد إليه بانفراده، ولكنه سبب إليه، ثم يخرج فيه إلى كلام هو المقصود، بينه وبين الأول علقة، ومناسبة وهذا نحو أن يكون الشاعر مستطلعا لقصيدته بالغزل، حتى إذا فرغ منه خرج إلى المدح على مخرج مناسب للأول، بينهما أعظم القرب والملائمة بحيث يكون الكلام آخذا بعضه برقاب بعض كأنه أفرغ فى قالب واحد، ثم يتفاضل الناس فى التخلص، فعلى قدر الاقتدار فى النظم والنثر يكون حسن التخلص، والتخلص فى النثر أسهل منه فى النظم، لأن الناظم يراعى القافية والوزن، فيكون فى ذلك صعوبة بخلاف الناثر، فإنه لا يراعى قافية ولا يحافظ على وزن، بل هو مطلق العنان يضع قدمه حيث شاء، فمن أجل ذلك كان أشق على الناظم منه على الناثر، لما ذكرناه، ولنذكر فى إيضاحه أمثلة أربعة.