ويقطع الثوب غير لا بسه ... ويلبس الثوب غير من قطعه
ومن ذلك ما قاله الشريف المرتضى يذم الزمان وأهله:
أسفّ بمن يطير إلى المعالى ... وطار بمن يسفّ إلى الدنايا
وكقول الآخر:
إن الليالى للأنام مناهل ... تطوى وتنشر بينها الأعمار
فقصارهن مع الهموم طويلة ... وطوالهنّ مع السّرور قصار «١»
ومن هذا قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ
[الروم: ١٩] وقوله صلّى الله عليه وسلّم: جار الدار أحق بدار الجار، ومن ذلك ما قاله أمير المؤمنين كرم الله وجهه من كتاب كتبه إلى عبد الله بن العباس أما بعد فإن الإنسان يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه، فلا تكن بما نلت من دنياك فرحا، ولا بما فاتك منها ترحا، ولا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة بطول أمل، قال ابن عباس: ما انتفعت بكلام بعد كلام الله تعالى مثل هذا الكلام، وأنا أقول أيضا ما قرع مسامعى مرة بعد مرة إلا وأحدث لى موعظة، وأنشأ لى عن الغفلة يقظة، وحكى عن أبى تمام أنه لما قصد عبد الله بن طاهر بخراسان وامتدحه بقصيدته المشهورة التى مطلعها «هن عوادى يوسف وصواحبه» أنكر عليه أبو سعيد الضرير وأبو العميثل هذا المطلع، وقالا له، ما لك تقول مالا تفهم فقال لم لا تفهما ما يقال، فاستحسن منه هذا الجواب على الفور، فهذا معكوس الألفاظ.
[الوجه الثانى أن يكون واقعا فى الأحرف]
وهذا كقوله تعالى: كُلٌّ فِي فَلَكٍ
[يس: ٤٠] فما هذا معكوسه ومستويه متماثلان كما ترى، وليس مما نحن به، وإنما الذى نريد ذكره ههنا هو أن مستويه يفيد معنى، ومعكوسه يفيد معنى آخر، ومثاله ما قاله بعض الأذكياء من أهل الشعر: