للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصنف الرابع [رد العجز على الصدر]

اعلم أنا قد ذكرنا الاشتقاق فيما سلف وقررنا أسراره، فأما رد العجز على الصدر فظاهر كلام المطرزى وعبد الكريم صاحب التبيان أن أحدهما مخالف للآخر، ولهذا أفردا لكل واحد منهما باب على حياله، وكلاهما معدود فى علم البديع، والذى عندى أنهما متقاربان، وأن رد العجز على الصدر أعم من الاشتقاق، لأن رد العجز على الصدر كما يرد فى مختلف اللفظ، فقد يكون واردا فى التساوى، بخلاف الاشتقاق، فإنه إنما يكون واردا فيما اختلف لفظه وبينهما جامع فى الاشتقاق وقد مر فلا وجه لتكريره، والذى نتعرض لذكره إنما هو رد العجز على الصدر كما نقرره بمعونة الله، وهو وارد فى النظم تارة، وفى النثر أخرى، ويأتى على ضروب.

[الضرب الأول أن يكون الصدر والعجز متفقين فى الصورة،]

وهذا كقوله تعالى: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ

[الأحزاب: ٣٧] وقوله تعالى: لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١)

[طه: ٦١] ومن كلام البلغاء: الحيلة ترك الحيلة، وقولهم: القتل أنفى للقتل وفى الحريريات: وتحمى عن المنكر ولا تتحاماه، ومن النظم ما قاله بعض الشعراء «١» :

سكران سكر هوى وسكر مدامة ... أنّى يفيق فتى به سكران

[الضرب الثانى أن يتفقا صورة ويختلف معناهما،]

وهو يأتى أحسن من الأول وأدخل فى الإعجاب، وهذا كما قاله بعضهم:

يسار من سجيتها المنايا ... ويمنى من عطيّتها اليسار

فاليسار الأول هو الجارحة، واليسار الثانى من الميسرة، وهو نقيض الإعسار.

<<  <  ج: ص:  >  >>