للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الضرب الثالث فى تشبيه المفرد بالمركب]

ولنضرب له مثالين يدلان عليه

[المثال الأول فى المظهر الأداة]

وهذا كقوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ

[النور:

٣٥] فهذه الأمور المعدودة كلها أشباه لنور الله، إما على أن المراد به ذات الله تعالى، أو يراد به الرسول صلى الله عليه وسلم، وكقوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ

[إبراهيم: ١٨] وكقول أبى تمام يمدح قصيدة له:

خذها مثقفة القوافى ربها ... بسوابغ النعماء غير كنود

كالدر والمرجان ألف نظمها ... كالشذر فى عنق الفتاة الرود

وكما قال البحترى فى وصف السيف:

وكأنما سود النمال وحمرها ... دبت بأيد فى قراه وأرجل

فشبه فرند السيف بدبيب النمل، حمرها وسودها، وهذا مما يشهد له فيه بالإجادة والإنافة فى البلاغة والزيادة.

[المثال الثانى فى مضمر الأداة]

وهذا كقوله صلّى الله عليه وسلّم «العزل هو الوأد الخفى» «١» وهذا من التشبيه الذى فاق فى رشاقته، وراق فى جودة نظمه وبلاغته، والوأد هو ما كانت العرب تفعله من دفن البنات وهن أحياء، خوفا من العار بركوب الفاحشة، فجعل العزل كالوأد، وعبر عنه بهذه العبارة التى تغض لها العيون طرفها، ولا ينتهى الوصف إليها، فيكون ترك وصفها كوصفها، ومن هذا قول أمير المؤمنين فى وصف العترة، عليهم السلام «فردوهم ورد الهيم العطاش» فهذا من الكلام لا يدرك فى البلاغة منتهاه، ولا يحرز بغاية غوره وأدناه. ومن غريب ما وجدته فى هذا الضرب كلام لابن الأثير فى وصف القلم «جدع أنفه فصار فى اليد قصيرا» يشير بذلك إلى ما كان من حديث قصير، مع الزّبّاء وفتكه بها، وكيده العظيم لها «وأرهف

<<  <  ج: ص:  >  >>