أكل، ولا نطق ولا استهل، ومثل ذلك بطل» ، فقال صلّى الله عليه وسلّم:«أسجعا كسجع الكهان»«١» ، فأنكر السجع على من تكلم به، وفى هذا دلالة على استكراهه. والجواب أنا نقول إنه لم ينكر السجع مطلقا، وإنما أنكر سجعا مخصوصا وهو سجع الكهان، لأن أكثر أخبارهم عن الأمور الكونية، والأوهام الظنية، على جهة السجع وتطابق أعجاز الألفاظ كما تراه يحكى عن شق وسطيح، وغيرهما من الكهان، والمختار قبوله، ولو لم يكن جائزا فى البلاغة لما أتى عليه أفصح الكلام وهو التنزيل، ولما جاء فى كلام سيد البشر وكلام أمير المؤمنين، لأن هذه هى أعظم الكلام بلاغة وأدخلها فى الفصاحة، فلا يمكن ترك هذا الأسلوب من الكلام لقصة عارضة من جهة الرسول يمكن حملها على وجه لائق كما أشرنا إليه.
[الفائدة الثانية فى بيان شروطه]
اعلم أن المقصود بالتسجيع فى الكلام إنما هو اعتدال مقاطعه وجريه على أسلوب متفق، لأن الاعتدال مقصد من مقاصد العقلاء يميل إليه الطبع وتتشوق إليه النفس، لكنه لا يحسن كل الحسن، ولا يصفو مشربه إلا باجتماع شرائط أربع:
[الشريطة الأولى: ترجع إلى المفردات،]
وهى أن تكون الألفاظ المسجوعة حلوة المذاق رطبة طنانة، صافية على السماع حلوة طيبة رنانة، تشتاق إلى سماعها الأنفس، ويلذ سماعها على الآذان، مجنبة عن الغثاثة والرداءة، ونعنى بالغثاثة والرداءة أن الساجع يصرف نظره إلى مؤاخاة الأسجاع وتطابق الألفاظ، ويهمل رعاية حلاوة اللفظ وجودة التركيب وحسنه، فعند هذا تمسه الرداءة، وتفارقه الحلاوة ويصير فيما جاء به بمنزلة من ينظم عقدا من خزف ملون، أو ينقش بألوان الصباغ ثوبا من عهن، فهذه الشريطة لابد من مراعاتها، وإلا وقع مهملها فيما ذكرناه.
[الشريطة الثانية راجعة إلى التركيب،]
وهى أن تكون الألفاظ المسجوعة فى تركّبها تابعة لمعناها، ولا يكون المعنى فيها تابعا للألفاظ فتكون ظاهرة التمويه وباطنة التشويه، ويصير مثاله كمثال عمد من ذهب على نصب من خشب، أو كرة محلاة أو بعرة مذهبة مطلية،