للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التقسيم الثالث باعتبار صورته وتأليفه إلى الطرد والعكس]

اعلم أن أرباب علوم البلاغة متفقون على أن المجاز أبلغ من الحقيقة فى تأدية المعنى، وعلى أن الاستعارة أقوى من التصريح، وأن الكناية أدخل فى إفادة المعانى من تلك الصرائح الموضوعة، وذلك لأن دلالة هذه الأمور على ما تدل عليه، إنما كان دلالة باللازم والتابع، ولا شك أن الدلالة على الشىء بلازمه أكشف لحاله، وأبين لظهوره، وأقوى تمكنّا فى النفس من غير ما ليس بهذه الصفة، فأما التشبيه، فإنما يكون وروده على جهة المبالغة فيما تعلق به، وهذا هو المطرد فى جريه، وقد يرد على خلاف ذلك، فإذن له مرتبتان نوضحهما بمشيئة الله تعالى.

[المرتبة الأولى فى بيان التشبيه المطرد]

اعلم أن المبالغة فى التشبيه لا يمكن حصولها إلا إذا كان المشبه به أدخل فى المعنى الجامع بينهما، إما بالكبر كقوله تعالى: وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ

[الرحمن:

٢٤] فمثلها بالجبال لما كانت الجبال أكبر من السفن، وهكذا القول فى السواد، والبياض، والحمد، والذم، والإيضاح والبيان، إلى غير ذلك من الأوصاف الجارية فى التشبيه، وآية ذلك وعلامته أنه لابد من أن تكون لفظة «أفعل التفضيل» جارية فى التشبيه، وهذا يدل على ما قلناه من اعتبار زيادة المشبه فى تلك الصفة الجامعة بينهما، فإن لم يكن الأمر على ما قلناه من الزيادة كان التشبيه ناقصا وكان معيبا، ولم يكن دالا على البلاغة، وهكذا الحال إذا كانا حاصلين على جهة الاستواء فلا مبالغة فى ذلك، فإذن لابد من اعتبار الزيادة كما أشرنا إليه، وهو فى ذلك على أربعة أوجه «أولها» تشبيه صورة بصورة كقوله تعالى:

كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ

[القارعة: ٤] شبه الناس يوم القيامة فى الضعف والهوان بالفراش، لما فيه من الدقة، وضعف الحال، وقوله تعالى: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ

[القارعة: ٥] شبه الجبال مع اختصاصها بالصلابة والقوة، بأضعف ما يكون وأرخاه، وهو الصوف لأنه ألين ما يكون عند نفشه، وما ذاك إلا لإظهار باهر القدرة،

<<  <  ج: ص:  >  >>