والوصل، وهو دقيق المجرى، لطيف المغزى، جليل المقدار، كثير الفوائد، غزير الأسرار، ولقد سئل بعض البلغاء عن ماهية البلاغة، فحدّها بمعرفة الفصل، والوصل، وجعل ما سواه تبعا له، ومفتقرا إليه، وقاعدته العظمى حروف العطف، وينعطف عليها حروف الجر، وتكون تابعة لها، فإنه يتعلق بكل واحد منهما أسرار ولطائف ننبه عليها بمعونة الله تعالى، ولسنا نريد بتلك الأسرار واللطائف ما يكون متعلقا بعلوم الإعراب من كون الأحرف العاطفة تلحق المعطوف فى الإعراب، ولا أن الحروف الجارة تجر الاسم، وتعدى الأفعال اللازمة، بل نريد أمرا أخص من ذاك، وأغوص على تحصيل الأسرار الغريبة واللطائف العجيبة فى كتاب الله تعالى وفى غيره، وإن كان لا بد من التصرفات الإعرابية والإحاطة بالمعانى النحوية، فهذان بحثان يحيطان بالبغية من ذلك بمعونة الله تعالى.
البحث الأول فيما يتعلق ب [الأحرف العاطفة]
اعلم أن العطف على نوعين، عطف مفرد على مفرد، وعطف جملة على جملة، فأما عطف المفرد على المفرد فيستفاد منه مشاركة الثانى للأول فى الإعراب فى رفعه ونصبه وجره، بالفاعلية، أو بالمفعولية، أو بالإضافة وحروف الجر، فأما الصفات فالأكثر أنه لا يعطف بعضها على بعض كقولك: مررت بزيد الكريم العاقل الفاضل، وإنما قل العطف فيها؛ لأن الصفة جارية مجرى الموصوف، ولهذا فإنه يمتنع عطفها على موصوفها فلا يجوز أن تقول: جاءنى زيد والكريم، على أن الكريم هو زيد، لاستحالة عطف الشىء على نفسه، ويجوز عطف بعضها على بعض باعتبار المعانى الدالة عليها، فلهذا تقول: مررت بزيد الكريم، والعاقل، والعالم، باعتبار ما ذكرناه، كأنك قلت. مررت بشخص اجتمع فيه الكرم، والعقل، والعلم، فقد اجتمع فى الصفة دلالتها على ذات الموصوف ودلالتها على معنى فى الذات، فلأجل تلك المعانى التى تدل عليها جاز فيها العطف، ولأجل كونها دالة على الذات قل فيها عطف بعضها على بعض، وتعذر عطفها على الموصوف كما أشرنا