إليه، فأما الأوصاف الجارية على الله تعالى فقلما يأتى فيها العطف، وما ذاك إلا لأنها أسماء دالة على الذات باعتبار هذه الخصائص لها ووافقت الذات فى عدم الأولية لها، فلأجل هذا جرت مجرى الأسماء المترادفة كقوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ
[الحشر: ٢٢] ثم قال: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ
[الحشر: ٢٣] الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ
[الحشر: ٢٤] وقال غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ
[غافر: ٣] فجاء بها على جهة التعديد من دون الواو لما ذكرناه، وإنما جاءت معطوفة فى قوله تعالى هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ
[الحديد: ٣] لأنها متضادة المعانى فى أصل موضوعها، فلهذا جاءت الواو رافعة لتوهم من يستبعد ذلك فى ذات واحدة؛ لأن الشىء الواحد لا يكون ظاهرا باطنا من وجه واحد، فلأجل هذا حسن العطف، ولهذا جاء العطف فى قوله تعالى ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً
[التحريم: ٥] بخلاف ما تقدمه من الصفات، فإنها معدودة من غير واو، وذلك لأجل تناقض البكارة والثيوبة، فجىء بالعطف لرفع التناقض بخلاف الإسلام، والإيمان، والقنوت، والتوبة، وغيرها من الصفات، ومنه قوله تعالى التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ
[التوبة: ١١٢] إلى آخرها بغير واو، وقال فى آخرها الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ
[التوبة: ١١٢] لما كانت هاتان الصفتان متضادتين، فلا جرم وجب فيهما العطف كما ترى، لا يقال فإنا نرى الأوصاف فى قوله تعالى: غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ
[غافر: ٣] جاءت كلها بغير حرف عطف إلا قوله وَقابِلِ التَّوْبِ
[غافر: ٣] فإنها جاءت بالواو مع اشتراكها كلها فى كونها من الأوصاف الفعلية، فما السر فى ذلك، لأنا نقول: أما مجىء غافِرِ
عقيب قوله: الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
[غافر: ٢] من غير واو مع أنهما من صفات الذات و «غافر» من صفات الأفعال: فإنما كان كذلك لأنها فى معناهما؛ لأن العزيز هو الغالب، والعالم هو المحيط بكل المعلومات، ومن كان غالبا بالقدرة على كل شىء وعالما بحسن العفو ومزيد الإحسان فهو الأحق بالستر، وإسقاط العقوبة وأن لا يستوفى له حقّا من العباد، فلهذا جاءت من غير واو؛ لانتظامها مع ما قبلها فى سلك واحد كما أوضحناه، وأما مجىء قوله: وَقابِلِ التَّوْبِ
بالواو مع كونها من صفات الأفعال لأمرين؛ أما أولا فلأن المرجع بالمغفرة إلى السلب؛ لأن معنى «الغافر» هو الذى لا يفعل العقوبة مع الاستحقاق، والمرجع بقبول التوبة إلى الإثبات؛ لأن معناه أنه يقبل العذر والندم، فلما