كانا متناقضين بما ذكرناه، وجب ورود الواو فصلا بينهما كما ذكرناه فى الأول والآخر، وأما ثانيا فلأنهما وإن كانا من صفات الأفعال لكنه جمع بينهما بالواو لسر لطيف، وهى إفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين، بين أن تقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات، وأن يجعلها إمحاء للذنوب، كأن لم يذنب، كأنه قال: جامع المغفرة والقبول، ومن وجه آخر، وهو أنهما وإن كانا من صفات الأفعال خلا أن المغفرة مختصة بالعبد، وقبول التوبة مختص بالله تعالى، فلما تغاير أمر هذا الوجه لا جرم وردت الواو منبهة على تغايرهما، وإنما وردا على وزن اسمى الفاعل دون ما بعدهما وما قبلهما من الصفات، ولم يقل:
الغفار والتواب، كما ورد فى موضع من التنزيل، دلالة على أن الغرض ههنا إحداث المغفرة والتوبة من جهته تعالى للعبيد لمزيد الرحمة واللطف، بخلاف قولنا: التواب والغفار، فإن الغرض بهما هو الثبوت والاستمرار دون الحدوث، فافترقا، وإنما جاء قوله: شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ
من غير واو لكون الأوصاف ملتئمة متناسبة يجمعها كونها من صفات الأفعال، كما جاء قوله: الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ
[الحشر: ٢٤] من غير واو لكونها جميعا من الصفات الفعلية، فنبه بلفظ اسم الفاعل على أنه تعالى فاعل للأمرين جميعا، محدث لهما من جهته، ليكون ذلك لرجاء الرحمة من عنده والأمل للعفو برحمته وكرمه، ثم عقّبه بقوله: شَدِيدِ الْعِقابِ
[غافر: ٣] تحذيرا عن مواقعة الخطايا وملابسة المعاصى وزجرا عن الاتّكال على ما سلف من الغفران وقبول التوبة، ثم ختم هذه الصفات بأحسن ختام وأعجب تمام بالوصف «بالطول» رحمة للخلق، وتسلية للعبيد، وعدة لهم بأن منتهى الأمر فى حقهم، الطول عليهم بالكرم، واندراجهم فى غمار الرحمة الواسعة واللطف العظيم، اللهم اجعلنا ممن شملته رحمتك، وأدخلته فى عبادك الصالحين، لا يقال: فعلام يحمل قوله تعالى: شَدِيدِ الْعِقابِ
فإن حمل على الصفة فهو نكرة؛ لأن الصفة المشبهة باسم الفاعل لا تتعرف بإضافتها إلى المعرفة، وإن حملتموه على البدلية مما قبله، حصل هناك تنافر فى نظام الآية وسياقها؛ لأن ما قبله صفة وما بعده صفة، فلا يجوز حمله على البدلية لما ذكرناه؛ لأنا نقول حكى عن أبى إسحق الزجاج أنه حمله على البدلية، وما ذاك إلا لأنه اعتاص عليه تنزيله على وجه يتعرف به، فعدل إلى هذه المقالة، وهذا لعمرى أسرع وأخلص لكن غيره أدق وأغوص، والأقرب حمله على الصفة، ليطابق ما قبله وما بعده، فأما تعريفه ففيه تأويلات، التأويل الأول ذكره الزمخشرى فى تفسيره أن