بأوه واعتلائه، وشموخ أنفه وسمو غلوائه، وكعمته على كظة جريته فهمد بعد نزواته، وبعد زيفان وثباته، فسكن هيج الماء من تحت أكنافها، وحمل شواهق الجبال البذّخ على أكتافها فهذه منه إشارة إلى خلقة الأرض كما ترى.
[النكتة الرابعة فى خلق الملائكة]
ثم خلق سبحانه لإسكان سمواته وعمارة الصفيح الأعلا من ملكوته خلقا بديعا من ملائكته، وملأ بهم فروج فجاجها، وحشا بهم فتوق أجوائها، وبين فجوات تلك الفروج زجل المسبحين منهم فى حظائر القدس وسترات الحجب وسرادقات المجد، ووراء ذلك الرجيج الذى تستك منه الأسماع، سبحانه نور تردع الأبصار عن بلوغها، فتقف على حدودها، أنشأهم على صور مختلفات، وأقدار متفاوتات، أولى أجنحة تسبح جلال عزته، لا ينتحلون ما ظهر فى الخلق من صنعته، ولا يدعون أنهم يخلقون شيئا مما انفرد به، بل عباد مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، جعلهم فيما هنالك أهل الأمانة على وحيه، وحملهم إلى المرسلين ودائع أمره ونهيه، وعصمهم من ريب الشبهات، فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته، وأمدهم بفوائد المعونة، وأشعر قلوبهم تواضع إخبات السكينة، وفتح لهم أبوابا ذللا إلى تماجيده، ونصب لهم منارا واضحا على أعلام توحيده، لم تثقلهم مؤصرات الآثام، ولم ترتحلهم عقب الليالى والأيام، ولم ترم الشكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم، ولم تعترك الظنون على معاقد يقينهم، ولا قدحت قادحة الإحن فيما بينهم، ولا سلبتهم الحيرة ما لاق من معرفته بضمائرهم، وما سكن من عظمته وهيبة جلالته فى أثناء صدورهم، فلم تطمع فيهم الوساوس فتفترع برينها على فكرهم.. إلى آخر كلامه فى أحوالهم وصفاتهم، ولولا خوف الإطالة لنقلنا كل كلامه فى ذكر خواصهم.
[النكتة الخامسة فى ذكر علم الله وإحاطته بكل المعلومات]
قال: عالم السر من ضمائر المضمرين، ونجوى المتخافتين، وخواطر رجم الظنون، وعقد عزيمات اليقين، ومسارب إيماض الجفون وما ضمنته أكناف القلوب، وغايات الغيوب، وما أصغت لاستراقه مصايخ الأسماع، ومصائف الذّر ومشاتى الهوام، ورجع الحنين من المولهات، وهمس الأقدام، ومنفتح الثمرة من ولائج غلف الأكمام، ومنقمع الوحوش من غيران الجبال وأوديتها،