[الجهة السادسة عشرة فى الطعن على القرآن بكونه مستبهما لا يعقل معناه]
. وبيانه أن الصحابة رضى الله عنهم، وهم الغواصون على علوم القرآن، والمحيطون بعلوم الشريعة، كانوا عاجزين عن إدراك حقائقه وتفاصيلها، فإذا كانوا عاجزين فغيرهم أعجز، وإنما قلنا إنهم قد عجزوا عن إدراك معانيه، لما روى عن أمير المؤمنين كرم الله وجهه: أنه لما سأله ابن الكواء وكان أحد أمرائه عن قوله تعالى: وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١)
[الذاريات: ١] غضب عليه، فلما ألح عليه، قال: هى الرياح، وعن أبى بكر أنه امتنع عن التفسير، وأما عمر فروى أنه سئل عن قوله تعالى: وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١)
[النازعات: ١] فضرب السائل على أم رأسه، وحرم كلامه فكلامهم هذا فيه دلالة على أن معانيه غير معقولة، وأنها غير مدركة لأحد من العقلاء، وهذا يبطل المقصود به ويحط من إعجازه.
والجواب عما زعموه هو أن الصحابة رضى الله عنهم أعرف بكتاب الله تعالى وأكثر إحاطة بعلوم السنة، ومنهم تؤخذ أسرارها، وعنهم تصدر جميع الأحكام والأقضية فى مصادر الشريعة ومواردها، والقرآن والسنة فى أيامهم غضان طريان، لقربهم من الرسول صلّى الله عليه وسلّم ومشافهتهم له بأحكام الوقائع كلها، ولسنا نبعد أن يتعذر عليهم الإحاطة ببعض دقائق القرآن وأسراره، ويختص الله تعالى بالعلم بها ورسوله، ولكنا نقول: إن أكثر معانى القرآن حاصلة فى حقهم يعرفونها ويفتون بها ويفصلون الخصومات والشجار الحاصلين بين الخلق، بما يفهمونه من عمومات القرآن وظاهره، فأما ما عرض من أمير المؤمنين من الإنكار وغيره كأبى بكر وعمر فإنما كان ذلك إذا كانت الرواية صحيحة لأحوال عارضة وما أفتوا به وعملوا عليه أكثر مما سكتوا وتوقفوا فيه، وكيف لا وقد قال أمير المؤمنين: سلونى قبل أن تفقدونى، فو الله إنى بطرق السماء لأعلم منى بطرق الأرض، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم «أنا مدينة العلم وعلى بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها»«١» ، فمن هذا حاله فى العلم كيف يقال إنه غير محيط بأسرار كتاب الله تعالى وغير مشتمل على تفاصيلها فبطل ما توهموه.
[الجهة السابعة عشرة من الطعن على القرآن من جهة فائدته؛]
وحاصل ما قالوه هو أن المقصود بالقرآن إنما هو إظهار الدلالة على نبوة الرسول صلّى الله عليه وسلّم ودلالته على ذلك ليس إلا من