الممطور، المفتر عن أزهاره، المبتسم عن أنواره، فهذه الأمور وما شابهها تعد من التشبيه القريب كما ذكرناه، ومثال الثانى وهو الغريب فهو الذى يحتاج فى إدراكه إلى دقة نظر وقوة فكر، وهذا نحو تشبيه الشمس بالمرآة فى كف الأشل، ومثل تشبيهها فى التموج والإنارة بالبوتقة من الذهب، ونحو تشبيه الخمر فى الكأس فى لونه، بمداهن در حشوهن عقيق، ومثل تشبيه حمرة الشقائق مع خضرة أعوادها، بأعلام ياقوت منصوبة على رماح من زبرجد، إلى غير ذلك مما يحتاج إلى مزيد فكرة ونظر.
[الحكم الرابع]
كل تشبيه على جميع أنواعه، فلابد فيه من اشتماله على أركان أربعة، المشبه، والمشبه به، والوصف الجامع بينهما، وكيفية التشبيه فى قربه وبعده، وكونه مفردا ومركبا، ونادرا ومألوفا، إلى غير ذلك، فمتى كثرت الأوصاف، كان أدخل فى الغرابة وأعجب فى مقاصد البلاغة، وأقرب مثال له فى اجتماع أوصاف التشبيه قوله تعالى: كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ
[يونس: ٢٤] فالآية فى نظمها مشتملة على عشر جمل، كل واحدة منها على حظ من التشبيه، ثم يكون التشبيه أيضا حاصلا من مجموعها من غير أن يمكن فصل بعضها عن بعض، فإنك لو حذفت منها جملة واحدة، تطرق الخرم إليها على قدر المحذوف، وكان مخلا بمغزى التشبيه الذى قصد فيها، وهكذا القول فى الإفراد فى التشبيه، والتركيب، فالإفراد نحو تشبيهك الكلام بالعسل، فى أن كل واحد منهما يوجب للنفس لذة وحالة محمودة، والمركب كقولك:«أعط القوس باريها» فإنه ليس الغرض إعطاء مطلقا، وإنما المقصود إعطاء من هو أهل للرماية، ومنه قولهم «الرامى بغير وتر، والساعى إلى الهيجاء بغير سلاح» ، فالتشبيه فيما هذا حاله مركب كما ترى.
[الحكم الخامس]
اعلم أن من جملة التشبيهات المركبة ما يظن لكثرة اتصاله أنه لا يمكن فصل بعضه عن بعض، وليس الأمر كذلك، وهذا كقول امرىء القيس: