للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دون غيركم، وهكذا قوله مِنْ دُونِ النَّاسِ

[الجمعة: ٦] فيه نهاية الاختصاص، فلما حصل تأكيد هذا الخطاب بهذه الأنواع من التوكيد، أتى بالنفى «بلن» لما بالغ فى إتيانه بالغ فى نفيه «بلن» وهذا كله دال على كونها موضوعة للمبالغة.

الطريق الثالث هو أنه بالغ فى ما نفى «بلن» بأن أكّده بقوله «أبدا» وفى هذا أعظم دلالة على أن وضعها للمبالغة فى النفى، فهذه الطرق الثلاث كلها مقررة لما ذكره الشيخ من أن «لن» لتأكيد ما تعطيه «لا» من نفى المستقبل، فأما ابن الخطيب أبو المكارم صاحب التبيان فقد يتلكأ فى قبول ما ذكرناه، وزعم أن الأمر على العكس مما أوردناه، وأن النفى «بلا» آكد من النفى «بلن» وقال: إن الزمخشرى إنما ذهب إلى هذه المقالة بناء على مذهبه فى الاعتزال، من نفى الرؤية واستحالتها على الله تعالى، وهذا خطأ منه، فإنا قد دللنا على كون «لن» دالة على مبالغة النفى بها فى الأزمنة المستقبلة، ومن العجب أنه قال: إنما صار الزمخشرى إلى ما حكيناه عنه لأجل الاعتزال، فليس الأمر كما زعمه، وإنما صار إليه للدليل الواضح من جهة نص الأدباء واستعمال أهل اللغة على ذلك، ومما يؤيد ما ذكرناه ويوضحه هو أن الله تعالى لما نفى «بلا» إدراك الأبصار عن ذاته بقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ

[الأنعام: ١٠٣] أى المبصرون بالأبصار على جهة العموم والاستغراق فى الأزمنة المستقبلة من غير مبالغة هناك وقال ردا لسؤال موسى حيث قال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي

[الأعراف: ١٤٣] «فجاء بهذه اللفظة قطعا لطمع الرؤية وإحالة لها بكونه أجابه بما يفيد الاستغراق والتأبيد، واستقصاء الكلام فى استحالة الرؤية من الأدلة النقلية يليق بالعلوم الدينية وقد أشرنا إليها فى كتاب «النهاية» وبالله التوفيق.

الصورة الخامسة [ «لو» ]

ووضعها فى الشرط للماضى كما كانت «إن» شرطا فى المستقبل خلافا للفراء فإنه زعم أنها شرط فى المستقبل كإن، وتطلب فعلين تعلق الثانى منهما بالأول تعليق المسبب بالسبب، فإن كانا منفيين لفظا فهما مثبتان من جهة المعنى، وإن كانا مثبتين لفظا فهما منفيان من جهة المعنى، وإن كان الأول مثبتا والثانى منفيا، أو بالعكس فهما فى المعنى على المناقضة من لفظهما: لا يقال: فإذا كان الأمر كما قلتموه فى «لو» فكيف يمكن تنزيل الحديث النبوى الوارد فى حق «صهيب» فى قوله عليه السلام «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» فإنه إذا كان الأمر على ما قررتموه فى «لو» كان حاصله أنه خاف الله فعصاه،

<<  <  ج: ص:  >  >>