اللغوية، لكن الشرع قد تصرّف فيها تصرّفا آخر، فالصلاة، دالة على الدعاء، ولكن على هذه الكيفية المخصوصة المزيد عليها بهذه الزيادات الشرعية، والصوم، دال على الإمساك، لكن بشرط اعتبارات أخر.
وأمّا ابن الخطيب الرازى فزعم أن إطلاق هذه الألفاظ على هذه المعانى الشرعية، على جهة المجاز من المعانى اللغوية التى تدل عليها. فحاصل كلامه هذا أنها دالة على معانيها اللغوية بحقائقها، وعلى معانيها الشرعية بمجازاتها. والمختار عندنا تفصيل قد نبّهنا عليه فى الكتب الأصوليّة. وحاصله أنّ الشرع قد نقلها إلى إفادة معان أخر، وأنها غير خالية عن الدلالة على معانيها اللغوية، وأنها قد صارت حقائق فى معانيها الشرعية، ويدلّ على ما قلناه من كونها دالة بحقائقها على هذه المعانى الشرعية، أمران، أحدهما: أن السابق إلى الفهم هو هذه المعانى الشرعية، عند إطلاقها، وهذه أمارة كون اللفظ حقيقة فى معناه لما سنقرّره بعد ذلك، ولهذا فإنه لو قيل فلان يصلى لم يسبق إلى الفهم إلّا هذه الأعمال. ومن جملتها الدعاء. وثانيهما أنها قد أفادت عند إطلاقها معنى مصطلحا عليه فى خطاب الشرع، كما أفاد قولنا: فرس، وإنسان معانيهما اللغوية عند الإطلاق، فكما قضينا بكون هذه حقائق فى دلالتها على معانيها، فهكذا حال هذه الألفاظ الشرعية تكون حقائق من غير تفرقة بينهما.
[المسألة الثالثة فى بيان أحكام الحقائق]
اعلم أنا قد قرّرنا فيما سلف أن الحقائق منقسمة إلى ما تكون حاصلة من جهة اللغة، وإلى ما يكون حصوله من جهة العرف. وإلى ما تكون متلقّاة من جهة الشرع، ودللنا على كل واحدة من هذه الحقائق. ونحن الآن نردف ما يتعلق بكل واحد من هذه الأقسام من الأحكام.
[الحكم الأول يختص بالوضع اللغوى]
اعلم أن الحقيقة اللغوية لا يقضى بكونها حقيقة فيما دلت عليه إلّا إذا كانت مستعملة فى موضوعها الأصلى فلا بدّ من سبق وضعها أولا، فإذا استعملت فى الحالة الثانية من وضعها فى موضوعها الأصلى فهى حقيقة، وإن كانت مستعملة فى خلافه فهى مجاز، ومن ههنا قال المحققون: إن الوضع الأول، ليس مجازا، ولا حقيقة، وهذا صحيح، وبيان