مصيبة يلقاها بصبر جميل» فاستعار الجرعة لما يكابده الإنسان عند ملابسة الغيظ ومقاساة الأحزان، وخص الجرعة لأن هذه الأمور كلها تخص القلب وتقع عليه كما تقع الجرعة عليه عند شربه، وهى استعارة لطيفة يعقلها أهل الكياسة، وينظر لها الأذكياء، ومن ذلك قوله عليه السلام:«المؤمن والكافر لا تتراءى نيرانهما» فاستعار ذلك إعلاما لما بينهما من البعد والانقطاع فى جميع الأحوال لأنهما إذا تباعدا فى الدين، فما وراء ذلك يكون أبعد وأعظم فى الانقطاع، وفى هذا إشارة إلى أن الإيمان أعظم الوصل فيما بين المسلمين، وأن الافتراق فيه لا وصلة بعده، ولهذا استعار له النار لأنها ترى من الأمكنة البعيدة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله «قيدوا القرآن بالدرس فإن له أوابد كأوابد الوحش» فاستعار ذكر الأوابد وهى الحيوانات الوحشية لما فيها من النفار وشدة الشرود لذهاب هذه المحفوظات عن القلب إذا لم تكن راسخة فيه بشدة الدرس لها، ومجازات الأخبار النبوية واسعة الخطو وقد وقفت على المجازات النبوية للسيد الشريف على بن ناصر، ولقد أتى فيها بالعجب العجاب ولباب الألباب، وفى كلامه دلالة على ما اختص به من الفضل والإحاطة بالبلاغة وتبحره فى علومها.
[النوع الثالث فى الاستعارة المأخوذة من كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه]
، فمن بليغها وأغربها قوله عليه السلام «وايم الله لأقودن الظالم بخزامة حتى أورده منهل الحق وإن كان كارها» فانظر إلى هذه النكتة من كلامه ما أعظم موقعها فى الدين، وأرضاها لله وأشجاها فى حلوق الظلمة، وأرسخ قدمها فى البلاغة، وقد اشتملت على استعارات ثلاثة، الخزامة، والانقياد، والمنهل، وما أعجب توشحها فى قالب نظمها وحسن سياقها، فإنه لما ذكر الانقياد عقبه بما يلائمه من الخزامة، ولما ذكر الورود عقبه بما يناسبه من المنهل، وهذا هو سر التوشيح، وحقيقة جوهره، ومن أرق الاستعارة وألطفها ما قاله عليه السلام: يشير به إلى نفسه وأولاده من بعده «نحن الشعار والخزنة والأبواب، لا تؤتى البيوت إلا من أبوابها، فمن أتاها من غير بابها سمى سارقا» .
فتفكر فى هذه الكلمات القصيرة وما اشتملت عليه من المعانى وانطوت عليه من الأسرار والرموز فى فضل أهل البيت وعلو درجتهم عند الله تعالى ومكانتهم من الشرف