فإنه لا يقال له بديع، لأنه مخصوص بما كان مؤتلفا من أجزاء، وقولنا «على جهة الإسناد» يحترز به عما إذا كان التركيب حاصلا، لكن من غير جهة الإسناد، كقولك زيد، عمر، بكر، خالد، فإن ما هذا حاله وإن كان مركبا لكنه غير مسند، لأن الإسناد فى مثل قولك زيد قائم وعمرو خارج وغير ذلك، والبديع إنما يكون حيث تحصل الفائدة، فأما ما لا فائدة فيه فلا موقع لعلم البديع فيه، وإنما يزداد حسنا فيما كان تركيبه مفيدا، وقولنا «المجازى» يحترز به عن الحقائق فإنه لا مدخل لعلم البديع فيما كان جاريا على جهة الحقيقة، وإنما موضعه المجازات البليغة، وقولنا «من جهة الاستعارة» يحترز به عن أكثر أنواع المجازات، فإنه لا مدخل للبديع فيها، وهذا نحو مجاز الزيادة، ومجاز النقصان، وغير ذلك من المجازات، فالمجاز أعمّ من البديع، ولهذا فإن كل بديع فهو مجاز، وليس كل مجاز بديعا، بل هو مخصوص بمجاز الاستعارة دون غيرها من سائر المجازات، وهكذا القول فى التشبيه المظهر الأداة، فإنه لا يدخله البديع، لأنه ليس من جملة المجاز فيقال بأنه داخل فى علم البديع، وإذا لم يكن داخلا فى المجاز فلأن يمتنع دخوله فى البديع أولى وأحق، فهذا تقرير ماهية البديع لغة واصطلاحا.
[التنبيه الثانى فى ذكر أقسامه]
اعلم أنا قد فرغنا من ذكر أصنافه فيما سبق، ولكنا نورد تقسيمه على جهة الإجمال، ونكتفى فى التفاصيل بما سبق شرحه، ليكون الناظر على استحضار فيه، وهو فى التقسيم منقسم إلى أضرب ثلاثة:
[الضرب الأول منها ما يكون راجعا إلى الفصاحة اللفظية]
وهذا هو المراد بعلم البيان، ثم منه ما يرد فى المنظوم والمنثور كالتجنيس، والترصيع، ولزوم ما لا يلزم، وغير ذلك من أصناف البديع، ومنه ما يكون مختصا بالنظم، وهذا التصريع، فإنه مخصوص بالقوافى لا يرد إلا فيها، وضابطه أن كل ما كان متعلقه ما يرجع إلى الألفاظ فهو بفصاحة الألفاظ أشبه.
[الضرب الثانى ما يكون راجعا إلى الفصاحة المعنوية،]
وهذا هو المراد بعلوم المعانى، وهذا نحو التخييل، والاستطراد، والتفويف، والتوشيح. وغير ذلك من الأصناف المتعلقة بعلوم البلاغة، والضابط فى مثل هذا أن كل ما كان متعلقا بالمعانى فهو من باب الفصاحة