[البقرة: ١٩] فالغرض مما ذكره من التشبيه، هو تشبيه حال الكفار فيما هم فيه من الكفر، والتمادى على الجحود، والإصرار، بمن أصابته هذه الأمور الهائلة، فهو على قلق وخوف وإشفاق على نفسه مع الغم والألم مما يلاقى من هذه الأشياء النازلة به، فهكذا حال الكفار فيما وقعوا فيه من ظلم الكفر وحيرته، لا يأمنون مما يقع عليهم من الحوائج العظيمة، والإيلامات المهلكة، فهكذا ترى جميع التشبيهات الواقعة فى التنزيل، فإن لها مقاصد عظيمة، ومضمّنة لأغراض دقيقة يعقلها من ظفر فى هذه الصناعة بأوفر حظ وكان له فيها أدنى ذوق، وحام حول تلك الدقائق بذهن صاف عن كدور البلادة، فعن قريب يحصل على البغية بلطف الله تعالى وحسن توفيقه.
[الطرف الثالث فى كيفية التشبيه]
وهو فى وروده يكون على أوجه أربعة، أولها أن يكونا- أعنى المشبه والمشبه به جميعا- مدركين بالحسّ، وهذا نحو تشبيه الخدّ بالورد، والشعر الفاحم بالليل، ومن هذا قوله تعالى: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨)
[الصافات: ٤٩] . وغير ذلك مما يكون طريقه الحس والمشاهدة، وهو أجلى ما يكون من التشبيهات، لقوته وظهور طريقه، وثانيها أن يكونا جميعا عقليين من غير إحساس، كالعلم بالحياة، فيشبه العلم بالحياة لما فيه من النفع فى الآخرة، ويشبه الجهل بالموت، لما فيه من خمول الذكر، وقد أشار الله تعالى إلى هذا بقوله: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها
[الأنعام: ١٢٢] فالإحياء، والإماتة، هنا مجاز فى العلم والجهل، وأن المقصود من الآية، تفاوت ما بين الحالتين، بين من أحياه الله تعالى بالعلم، وبين من أماته الله تعالى بالجهل، كما أن من كان فى الظلمة ليس حاله كحال من هو فى النور، يتصرف ويتقلب، وثالثها أن يكون أحدهما حسيا، والآخر عقليا، كالمنيّة بالسّبع، فالمنية ههنا هى المشبهة وهى عقلية، بالسّبع، وهو حسى، قال:
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها ... ألفيت كلّ تميمة لا تنفع «١»
ورابعها أن يكون المشبه حسيّا والمشبة به عقليا كالعطر بخلق الكريم ومنه قوله تعالى: أَوْ