[المبحث الثانى فى إبطال كل واحد من هذه الأقسام التى ذكرناها سوى ما نختار منها]
وجملة ما نذكره من ذلك مذاهب:
[المذهب الأول منها الصرفة]
وهذا هو رأى أبى إسحاق النظام، وأبى إسحاق النصيبى، من المعتزلة واختاره الشريف المرتضى من الإمامية، واعلم أن قول أهل الصرفة يمكن أن يكون له تفسيرات ثلاثة، لما فيه من الإجمال وكثرة الاحتمال كما سنوضحه.
التفسير الأول أن يريدوا بالصرفة أن الله تعالى سلب دواعيهم إلى المعارضة، مع أن أسباب توفر الدواعى فى حقهم حاصلة من التقريع بالعجز، والاستنزال عن المراتب العالية، والتكليف بالانقياد والخضوع، ومخالفة الأهواء.
التفسير الثانى أن يريدوا بالصرفة أن الله تعالى سلبهم العلوم التى لا بد منها فى الإتيان بما يشاكل القرآن ويقاربه، ثم إن سلب العلوم يمكن تنزيله على وجهين، أحدهما أن يقال: إن تلك العلوم كانت حاصلة لهم على جهة الاستمرار، لكن الله تعالى أزالها عن أفئدتهم ومحاها عنهم، وثانيهما أن يقال: إن تلك العلوم ما كانت حاصلة لهم، خلا أن الله تعالى صرف دواعيهم من تجديدها، مخافة أن تحصل المعارضة.
التفسير الثالث أن يراد بالصرفة أن الله تعالى منعهم بالإلجاء على جهة القسر عن المعارضة، مع كونهم قادرين وسلب قواهم عن ذلك، فلأجل هذا لم تحصل من جهتهم المعارضة، وحاصل الأمر فى هذه المقالة: أنهم قادرون على إيجاد المعارضة للقرآن، إلا أن الله تعالى منعهم بما ذكرناه، والذى غر هؤلاء حتى زعموا هذه المقالة، ما يرون من الكلمات الرشيقة، والبلاغات الحسنة، والفصاحات المستحسنة، الجامعة لكل الأساليب البلاغية فى كلام العرب الموافقة لما فى القرآن، فزعم هؤلاء أن كل من قدر على ما ذكرناه من تلك الأساليب البديعة، لا يقصر عن معارضته، خلا ما عرض من منع الله إياهم بما ذكرناه من الموانع، والذى يدل على بطلان هذه المقالة براهين.
البرهان الأول منها: أنه لو كان الأمر كما زعموه، من أنهم صرفوا عن المعارضة مع تمكنهم منها، لوجب أن يعلموا ذلك من أنفسهم بالضرورة، وأن يميزوا بين أوقات