الصنف الثالث التطبيق [ويقال له التضاد، والتكافؤ، والطباق والمقابلة]
ويقال له التضاد، والتكافؤ، والطباق، وهو أن يؤتى بالشىء وبضده فى الكلام كقوله تعالى: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً
[التوبة: ٨٢] واعلم أن هذا النوع من علم البديع متفق على صحة معناه وعلى تسميته بالتضاد والتكافؤ، وإنما وقع الخلاف فى تسميته بالطباق والمطابقة والتطبيق، فأكثر علماء البيان على تلقيبه بما ذكرناه، إلا قدامة الكاتب، فإنه قال لقب المطابقة يليق بالتجنيس، لأنها مأخوذة من مطابقة الفرس والبعير لوضع رجله مكان يده عند السير، وليس هذا منه، وزعموا أنه يسمى طباقا من غير اشتقاق، والأجود تلقيبه بالمقابلة، لأن الضدين يتقابلان، كالسواد والبياض، والحركة والسكون، وغير ذلك من الأضداد من غير حاجة إلى تلقيبه بالطباق والمطابقة، لأنهما يشعران بالتماثل بدليل قوله تعالى: سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥)
[نوح: ١٥] أى متساويات، ومنه طابقت النعل، أى جعلته طاقات مترادفات، فإذن الأخلق تلقيب هذا النوع بما ذكرناه من المقابلة، ولا يلقب بالطباق كما قاله جوّاب البلاغة ونقّادها البصير والمهيمن على معانيها وخريتها الخبير قدامة ابن جعفر الكاتب فإذا تمهدت هذه القاعدة فلنذكر كيفية التقابل فى الكلام، لأن الشىء ربما قوبل بضده لفظا، وربما قوبل بضده من جهة المعنى، وتارة يقابل بمخالفه، ومرة يقابل بما يماثله، فهذه ضروب أربعة لابد من تقديرها وتفصيلها بمعونة الله تعالى.
[الضرب الأول فى مقابلة الشىء بضده من جهة لفظه ومعناه]
[النحل: ٩٠] فانظر إلى هذا التقابل العجيب فى هذه الآية ما أحسن تأليفه وأعجب تصريفه، فلقد جمع فيه بين مقابلات ثلاث، الأولى منها مأمور بها والثلاث التوابع منهى عنها، ثم هى فيما بينها متقابلة أيضا، ومن ذلك قوله تعالى: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً
فهذا وما شاكله فيه مقابلتان، الضحك بالبكاء، والقليل بالكثير، ومن ذلك قوله تعالى: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ
[الحديد: ٢٣] فقابل الفرح بالحزن إلى غير ذلك من الآيات الدالة على الأضداد، ومنه قوله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً