[لقمان: ١٨] فنهاه عن المصاعرة، والمشى فى الأرض مرحا، وأمره بالقصد فى المشى والغض من الصوت، إلى أمثال له فى القرآن كثيرة، ومن السنة النبوية قوله صلّى الله عليه وسلّم: خير المال عين ساهرة لعين نائمة، فجمع فيه بين السهر والنوم وهما ضدان، وأراد بالحديث أن أفضل الأموال هو هذه الأنهار الجارية فإنها تجرى ليلا ونهارا وصاحبها نائم، لا يشعر بحالها، ومن ذلك ما روته عائشة عن النبى صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لها: عليك بالرفق يا عائشة، فإنه ما كان فى شىء إلا زانه، ولا نزع من شىء إلا شانه، فجمع بين الزين والشين وهما ضدان، ومن ذلك ما ورد فى كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال فى بعض خطبه: الحمد لله الذى لم يسبق له حال حالا، فيكون أولا قبل أن يكون آخرا، ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا، كل مسمى بالوحدة غيره قليل، وكل عزيز غيره ذليل، وكل قوىّ غيره ضعيف، وكل مالك غيره مملوك، وكل قادر غيره يقدر ويعجز، وكل سميع غيره يصمّ عن لطيف الأصوات، ويصمه كثيرها، وكل بصير غيره يعمى عن خفىّ الألوان ولطيف الأجسام، وكل ظاهر غيره غير باطن وكل باطن غيره غير ظاهر، فهذه مقابلات ثمانية قد جمع بينها فى صدر هذه الخطبة مع ما فيه من السلاسة وجودة السبك، ومن ذلك ما قاله خطابا لعثمان: إن الحق ثقيل، مرىء، والباطل خفيف وبىء، وأنت رجل إن صدقتك سخطت وإن كذبتك رضيت، فقابل الحق بالباطل، والثقيل المرىء بالخفيف الوبىء، والصدق بالكذب، والسخط بالرضا، فهذه خمس مقابلات قد اشتمل هذا الكلام القصير الذى أناف على كل غاية فى بلاغته، ورقة لفظه وسلاسته، وله عليه السلام من الطباق والجمع بين الأمور المتضادة خاصة فى علوم التوحيد وأحوال القيامة شىء كثير، وقال الحجاج بن يوسف حين أراد قتل سعيد بن جبير: فلما أحضر إليه أمر من كبه، ثم قال من أنت فقال أنا سعيد بن جبير فقال له: بل أنت شقى بن كسير. فقابل سعيد بشقى وجبير بكسير، وكان الخبيث من المعدودين فى الفصاحة، والمشار إليهم فى البلاغة، ومن كلام البلغاء قولهم:
من أقعدته نكاية اللئام، أقامته إعانة الكرام، ومن ألبسه الليل لون ظلمائه، نزعه النهار عنه بضيائه، ومن الحريريات قوله لا رفع نعشك، ولا وضع عرشك، وقوله: ومن حكم