فيجعل، والولدان، على حقيقتيهما والمجاز فى إسناد الجعل إلى اليوم كما ترى، وثانيها أن يكون على جهة المجاز، ومثاله قولنا: أحيا الأرض شباب الزمان، فإن الإحياء مجاز، والشباب مجاز، وإسناد الإحياء إلى الشباب مجاز أيضا، وثالثها أن يكون المسند فى نفسه، وهو قولنا: أنبت، حقيقة، والمسند إليه مجاز، وهو قولنا «شباب الزمان» فإسناد الإنبات إلى الشباب مجاز، ورابعها أن يكون المسند فى نفسه مجازا، والمسند إليه حقيقة، ومثاله قولنا: أحيا الأرض الربيع، فالإحياء مجاز، والربيع حقيقة، وإسناد الإحياء إلى الربيع مجاز أيضا، فصار واقعا على هذه الأوجه لا يخرج عنها، ويعرف كونه مجازا، إما بالقرينة العقلية فى مثل قولك:
أحيانى اكتحالى بطلعتك، ومحبتك جاءت بى إليك، فإن إسناد الإحياء إلى الاكتحال، والمجىء إلى المحبة، يستحيل من جهة العقل، فلهذا قضينا بكونه عقليا، وإما بالقرينة العادية فى مثل قولك: هزم الأمير الجند، والحقيقة أن الهازم عسكره، ونحو قولك: قتل الأمير اللص، والقاتل هو غيره، وإما بالقرينة اللفظية كقولنا: عيشة راضية، والحقيقة مرضية، وشعر شاعر، والحقيقة مشعور به، وليله قائم، أى مقوم فيه، ونهاره صائم، فإسناد هذه الألفاظ هو الذى أوجب كون هذه الأخبار مجازا، فلأجل ذلك كانت هذه القرينة لفظية، وإنما عدل فيما ذكرناه عن حقيقته، لما كان المجاز مشتملا على المبالغة الرائقة.
[دقيقة]
اعلم أن ما ذكرناه من المجاز الإسنادى العقلى هو الذى قرره الشيخ النحرير عبد القاهر الجرجانى، واستخرجه بفكرته الصافية، وتابعه على ذلك الجهابذة من أهل هذه الصناعة، كالزمخشرى، وابن الخطيب الرازى، وغيرهما من النظار، وقرروه على ما حكيناه ولخصناه، وقد يتأكد فى قبوله، وأنكره الشيخ أبو يعقوب السكاكى، صائرا إلى أن ما ذكرناه منه إنما هو استعارة بالكناية من غير حاجة إلى كونه مجازا عقليا، ورغم أن المراد بالربيع، فى قولنا: أنبت الربيع البقل، هو الفاعل الحقيقى، بقرينة نسبة الإنبات إليه، وهكذا القياس فى سائر الأمثلة التى ذكرناها، وهو تعسف لا حاجة إليه، لأنه يلزم أن لا يكون الإخراج مضافا إلى الأرض، وأن لا يكون الأمر بالبناء مضافا إلى هامان، وهو خلاف الظاهر، فيجب التعويل على ما حكيناه عن غيره، فهذا ما أردنا ذكره من بيان ما يتعلق بمطلق الإسناد، ولنردفه بما يتعلق بتفاصيله، من ذكر المسند والمسند إليه، فهذان ضربان، نذكر ما يخصهما بمعونة الله تعالى.