ومن المؤكد قوله تعالى: إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ
[سورة ص: ٤٦] وقوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)
[القدر: ١] فهذا وما شاكله مؤكد بحرف واحد، ومن المؤكد بحرفين قوله تعالى:
وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٤٧)
[سورة ص: ٤٧] وقوله تعالى: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠)
[سورة ص: ٤٠] وقوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى
[سورة ق: ٣٧] وهذا الخبر المؤكد قد يرد مؤكدا، إما من غير إنكار فيكون تأكيده حسنا، وقد يرد على جهة الإنكار فيكون تأكيده واجبا، والأمثلة فيه كثيرة، ثم إن الإسناد وارد على وجهين، الوجه الأول منهما حقيقى، وهو أن يكون الفعل مضافا إلى فاعله، وهذا كقولك: قام زيد، وضرب عمرو، وكقول الله تعالى:
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
[المائدة: ٩] وقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ
[النور: ٤٥] وقوله تعالى: وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ
[النحل: ٥١] إلى غير ذلك من الأخبار التى يكون إسنادها إلى فاعلها على جهة الحقيقة.
الوجه الثانى أن يكون الإسناد على جهة المجاز العقلى، والمراد من هذا هو أن إسنادها ٧ لى فاعلها يقضى العقل باستحالته، فلا جرم كان مجازا عقليا، وهو فى القرآن كثير، ويقال له المجاز المركب، والغرض أن مجازه ما كان إلا من أجل تركيبه، وهذا كقوله تعالى: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢)
[الزلزلة: ٢] فإن الإخراج حقيقة فى الدلالة على معناه، والأرض حقيقة، لأنها موضوعة على معناها الأصلى، والمجاز إنما نشأ من جهة إسناد الإخراج إلى الأرض وهكذا قوله تعالى: وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً
[الأنفال: ٢] فإن قوله: تُلِيَتْ
دالة على حقيقته، والآيات على حقيقتها، لكن المجاز جاء من جهة إسناد تُلِيَتْ
إلى الآيات «١» ، ونحو قوله:
حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ
[يونس: ٢٤] فالأخذ على حقيقته، والأرض على حقيقتها، لكن المجاز حاصل من جهة إسناد الأخذ إلى الأرض، وقوله تعالى: يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ
[القصص: ٤] فى قصة فرعون، فإن الذبح والأبناء دالان على معنييهما بالحقيقة، لكن المجاز إنما كان من أجل إسناد الذبح إلى فرعون، وليس ذابحا، وإنما الذابح غيره، هكذا حال الاستحياء فى قوله تعالى: وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ
[القصص: ٤] فإذا عرفت أن المجاز ههنا إنما حصل من جهة الإسناد لا غير، فلا بد من مسند ومسند إليه، وقد يكونان حقيقتين، ومجازين، ومختلفين، فهذه أوجه أربعة، أولها أن يكونا على جهة الحقيقة، ومثاله قولك: أنبت الربيع البقل، فإن لفظتى أنبت، والربيع، دالان على حقيقتيهما، والمجاز من جهة الإسناد وقوله تعالى: يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧)
[المزمل: ١٧]