للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تردد، ففيه نهاية الهدى، وغاية الصلاح لأهل التقوى وهكذا قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ

[البقرة: ٧] جاء بغير واو لما كان واردا على جهة التأكيد لقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ

[البقرة: ٦] لأن كل من كان حاله إذا أنذر مثل حاله إذا لم ينذر فهو فى غاية الجهل والعمى مختوما على قلبه مغشى على بصره وقوله تعالى: إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ

[البقرة: ١٤] لأن قوله: قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ

أى إنا غير تاركى اليهودية فى التكذيب بالرسول صلّى الله عليه وسلّم فيكون قولهم: إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤)

مؤكدا لهذا المعنى بعينه، ومن الواضح قوله تعالى ما هذا بَشَراً

[يوسف: ٣١] مع قوله إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)

[يوسف: ٣١] لأن الجملة الثانية واردة مورد التأكيد، فإن كونه ملكا ينفى كونه من البشر، ومن هذا قوله تعالى وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً

[لقمان: ٧] فجرد التشبيهين عن العاطف؛ لأنه مثّل حاله بعد التلاوة مثل حاله قبلها فقوله كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها

مؤكد لما قبله وقوله كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً

مؤكد لما قبله أيضا، فلهذا جاءتا من غير عاطف.

[دقيقة]

قد يعرض للجملة التى من حقها أن تكون معطوفة على ما قبلها أمر يسوغ ترك الواو مع كونها أجنبية عن الأولى مثاله قوله تعالى إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ

[البقرة: ١٤- ١٥] فالجملة الثانية إنما جاءت مجردة عن الواو لما كانت على تقدير سؤال، كأنه قيل: هم أحقاء بالاستهزاء لأجل دخولهم فى العناد وإغرابهم فى التكذيب، فمن يستهزىء بهم، فقيل. الله يستهزىء بهم كما قال بعضهم «١» :

زعم العواذل أننى فى غمرة ... صدقوا ولكن «٢» غمرتى لا تنجلى

فلما حكى عن العواذل ما زعموه وجرّ ذلك سؤال السامع له عن صدق ما زعموه، أو كذبه، فكأنه قيل له: فما تقول فى ذلك، فقال: أقول: صدقوا، ولكن لا مطمع لهم فى خلاصى مما أنا فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>