فانظر إلى ما فعله ههنا حيث جمع بين وجه المعشوق وقلبه، ثم إنه بعد ذلك فرق بينهما، فشبه الوجه بالنار فى الحسن والإنارة والضوء، وشبه القلب بها فى الحرارة والاحتراق وكقول من قال:
أسود كالمسك صدغا ... قد طاب كالمسك خلقا «١»
فقد جمع بين الصّدغ والخلق فى التشبيه بالمسك، ثم إنه فرق بينهما فالصدغ يشبه المسك فى سواده والخلق يشبه المسك فى طيبه وحسنه،
[وثانيهما الجمع مع التقسيم،]
وهو أن تجمع أمورا مندرجة تحت حكم واحد، ثم تقسّمها، ثم ليس يخلو حاله إما أن يجمع ثم يقسم بعد ذلك، أن يقسم ثم يجمع، فهاتان حالتان، الحالة الأولى الجمع ثم القسمة بعده، ومثاله ما قاله المتنبى:
الدهر معتذر والسيف منتظر ... وأرضهم لك مصطاف ومرتبع
للسّبى ما نكحوا للقتل ما ولدوا ... للنّهب ما جمعوا والنار ما زرعوا «٢»
فانظر إلى ما فعله فى البيت الأول حيث جمع أرض العدو وما فيها من كونها خالصة له على جهة الإجمال من غير إشارة فيه إلى تفصيل حالها، ثم إنه قسم حالها فى البيت الثانى إلى ما يكون منها للسبى، وما يكون للقتل، وما يكون للنهب والنار جميعا، الحالة الثانية أن يقسم أولا ثم يجمع ثانيا، ومثاله ما قاله حسان:
قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم ... أو حاولوا النّفع فى أشياعهم نفعوا
سجية تلك منهم غير محدثة ... إنّ الخلائق فاعلم شرّها البدع «٣»
فقد أعمل فى البيت الأول التقسيم إلى ما ذكره من خصالهم، ثم جمعها فى البيت الثانى من غير إشارة إلى تفصيل، فهذا وما شاكله له موقع فى الفصاحة لا يمكن جحده ولا يسع إنكاره.