للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمنكرى البعث بقوله: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ

[يس: ٧٨] كيف أفحمهم بالإلزامات، وإلى حجاجه لعباد الأصنام بقوله: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ

[الحج: ٧٣] إلى آخر الآية ولولا أنه يخرجنا عن المقصد الذى تصدينا له لذكرنا فيه أمثلة رائقة ونبهنا فيه على أسرار بديعة.

[المثال الثانى من السنة الشريفة،]

ولا شك أن له صلى الله عليه مع الكفار من عبدة الأوثان والأصنام وغيرهم من أهل الكتب كاليهود والنصارى ملاطفة فى حسن الاستدراج ولين العريكة، والتهالك فى دعائهم إلى الدين، والإمعان فى الانقياد له، شىء كثير لا يحصر عدده، ولا يتجاوز أمده، فمن ذلك ما حكاه ابن هشام فى سيرته عن ابن إسحق: أن النبى صلى الله عليه وآله كتب إلى أحبار اليهود فقال: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صاحب موسى وأخيه، والمصدق لما جاء به موسى، ألا إن الله قد قال لكم يا معشر أهل التوراة، وإنكم لتجدون ذلك فى كتابكم، محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما، وإنى أنشدكم بالله، وأنشدكم بما أنزل عليكم، وأنشدكم بالذى أطعم من كان قبلكم من أسباطكم، والمن والسلوى، وأنشدكم بالذى أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم من فرعون وعمله، إلا أخبرتمونا: هل تجدون فيما أنزل عليكم أن تؤمنوا بمحمد، وإن كنتم لا تجدون ذلك فى كتابكم فلا كره عليكم قد تبين الرشد من الغى، فأدعوكم إلى الله وإلى نبيه، فلينظر الناظر ما اشتمل عليه هذا الكتاب من لطيف المحاورة وحسن الاستدراج المزيل للأحقاد والضغائن، والمؤثر فى إزالة السخائم عن القلوب، وذلك من أوجه، أما أولا فلأنه صدر كتابه بقوله صاحب موسى وأخيه يعنى هارون، وإنما فعل ذلك إزالة للوحشة عنهم، وتقريرا لخواطرهم، وإيناسا لقلوبهم عن

<<  <  ج: ص:  >  >>