[الجهة الثانية عشرة من المطاعن على القرآن ما تضمنه من الأمور الخبرية التى هى على خلاف مخبراتها فيكون من جملة الأكاذيب،]
وهذا كقوله تعالى وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً
[آل عمران: ٨٣] ولا شك أنه ليس جميع الناس مسلمين، بل أكثرهم كافرون، فقد أخبر بما ليس صدقا، وهكذا قوله تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩)
[النحل: ٤٩] ولا شك أن أكثر الناس غير ساجد لله تعالى، بل إما لأنه لا يسجد أصلا، وإما لأنه يسجد لغيره.
والجواب عما أوردوه أن ما هذا حاله من دسائس الملاحدة وكذبهم على الله تعالى، ومحبة للتحريف فى كتاب الله تعالى، وتدرجا إلى إغواء الخلق وميلهم عن الدين، بأن يأتوهم من حيث لا يشعرون، فأما الإسلام فالغرض به الانقياد لأمر الله تعالى فى التكوين والإرادة من غير مخالفة عند حصول الداعية إلى إيجاد المصلحة، وما هذا حاله فإنه يكون عاما لجميع من فى السموات والأرض من المخلوقات، أعنى الانقياد للإرادة والتكوين، وأما قوله تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ
فالغرض بالسجود ههنا، هو الخضوع والذلة لأمره، ولما ينفذ فيه من الأقضية الواقعة على أمره، فالسجود حقيقة إنما يعقل من جهة الملائكة والثقلين، الجن والإنس، وما عداهم إنما دخل على جهة التغليب فى الخطاب، أو يكون الغرض من سجود من لا يتأتى منه السجود إنما هو الإذعان والانقياد لأوامره ونواهيه فى إيجاده وتكوينه، وتفريقه وإذهابه، فإنه لا مانع لأمره، ولا معقب لحكمه، وهكذا القول فيما يوردونه من هذه المطاعن الركيكة، والمساعى السخيفة، تجرى على نحو ما ذكرناه والذى حملهم على هذه المطاعن الركيكة هو ما هم عليه من عداوة الإسلام وأهله، فيريدون كيده بأى حيلة يجدون إليها سبيلا، ولجهلهم بالمجازات الرشيقة، والاستعارات الأنيقة التى أنكرتها طباعهم، ولم تتسع لها حواصلهم، وهكذا يفعل الله بمن لم يرد توفيقه، فنعوذ بالله من خبال العقل وتهمة الجهل.
[الجهة الثالثة عشرة من المطاعن على القرآن سوء الترتيب والنظم]
وهذا كقوله تعالى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)
[الفاتحة: ٥] فقدم العبادة على الاستعانة وكان من حقه العكس، من جهة أن الاستعانة هى نوع من الألطاف، ومن حقها التقدم على الفعل، لأنها داعية إليه.