هى فى مصطلح فرسان البيان عبارة عن تأدية المقصود بمقدار معناه من غير زيادة فيه ولا نقصان عنه، ثم إنها جارية على وجهين، أحدهما أن يكون مساواة مع الاختصار، وهذا نحو أن يتحرى البليغ فى تأدية معنى كلامه أوجز ما يكون من الألفاظ القليلة الأحرف، والكثيرة المعانى، التى يتعسر تحصيلها على من دونه فى البلاغة، ومن هذا قوله تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (٦٠)
[سبأ: ١٧] فهذه أحرف قليلة تحتها فوائد غزيرة، ونكت كثيرة، فهذا نوع من المساواة، وثانيهما أن يكون المقصود المساواة من غير تحرّ ولا طلب اختصار، ويسمى «المتعارف» والوجهان محمودان فى البلاغة جميعا، خلا أن الأول أدل على البلاغة وأقوى على تحصيل المراد، ولهذا فإنك ترى أهل البلاغة متفاوتين فى ذلك، فأعظمهم قدرا فيها من كان يمكنه تأدية مقصوده فى أخصر لفظ وأقله، وهذا لا يكون إلا لمن كان له موقع فيها بحيث يمكنه التقصير والاختصار فى لفظ قليل، ولنقتصر على هذا القدر من العلوم المعنوية، ففيه كفاية للمطلوب، فأما التقديم، والتأخير، والتعريف، والتنكير، والإظهار، والإضمار، فى المسند والمسند إليه، فهو وإن كان جزءا من العلوم المعنوية، لكنا قد أوردناه فى الإسناد، وذكرنا هذه الأحوال، وأظهرنا التفرقة بينها، وقررنا الوجه الذى لأجله جىء بها، فلهذا كان ذكرها هناك مغنيا عن الإعادة والله أعلم.